Tafsir al-Mizan
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Genres
قال في الفصل الحادي والعشرين من سفر تثنية الاشتراع: إذا وجد قتيل في الأرض التي يعطيك الرب إلهك لتمتلكها واقعا في الحقل لا يعلم من قتله يخرج شيوخك وقضاتك ويقيسون إلى المدن التي حول القتيل فالمدينة القريبة من القتيل يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها لم تجر بالغير وينحدر شيوخ تلك المدينة بالعجلة إلى واد دائم السيلان لم يحرث فيه ولم يزرع ويكسرون عنق العجلة في الوادي ثم يتقدم الكهنة بني لاوي لأنه إياهم اختار الرب إلهك ليخدموه ويباركوا باسم الرب وحسب قولهم تكون كل خصومة وكل ضربة ويغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم على العجلة المكسورة العنق في الوادي ويصرخون ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم وأعيننا لم تبصر اغفر لشعبك إسرائيل الذي فديت يا رب ولا تجعل دم بريء في وسط شعبك إسرائيل فيغفر لهم الدم انتهى.
إذا عرفت هذا على طوله علمت أن بيان هذه القصة على هذا النحو ليس من قبيل فصل القصة، بل القصة مبينة على نحو الإجمال في الخطاب الذي في قوله: وإذ قتلتم نفسا إلخ وشطر من القصة مأتية بها ببيان تفصيلي في صورة قصة أخرى لنكتة دعت إليه.
فقوله تعالى: وإذ قال موسى لقومه خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو كلام في صورة قصة وإنما هي مقدمة توضيحية للخطاب التالي لم يذكر معها السبب الباعث على هذا الأمر والغاية المقصودة منها بل أطلقت إطلاقا ليتنبه بذلك نفس السامع وتقف موقف التجسس، وتنتشط إذا سمعت أصل القصة، ونالت الارتباط بين الكلامين، ولذلك لما سمعت بنو إسرائيل قوله: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة تعجبوا من ذلك ولم يحملوه إلا على أن نبي الله موسى يستهزء بهم لعدم وجود رابطة عندهم بين ذبح البقرة وما يسألونه من فصل الخصومة والحصول على القاتل قالوا أتتخذنا هزوا وسخرية.
وإنما قالوا ذلك لفقدهم روح الإطاعة والسمع واستقرار ملكة الاستكبار والعتو فيهم، وقولهم: إنا لا نحوم حول التقليد المذموم، وإنما نؤمن بما نشاهده ونراه كما قالوا لموسى: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة وإنما وقعوا فيما وقعوا من جهة استقلالهم في الحكم والقضاء فيما لهم ذلك، وفيما ليس لهم ذلك فحكموا بالمحسوس على المعقول فطالبوا معاينة الرب بالحس الباصر وقالوا: "يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون": الأعراف - 138، وزعموا أن نبيهم موسى مثلهم يتهوس كتهوسهم، ويلعب كلعبهم، فرموه بالاستهزاء والسفه والجهالة حتى رد عليهم، وقال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وإنما استعاذ بالله ولم يخبر عن نفسه بأنه ليس يجاهل لأن ذلك منه (عليه السلام) أخذ بالعصمة الإلهية التي لا تتخلف لا الحكمة الخلقية التي ربما تتخلف.
Page 114