** الصراط المستقيم
( اهدنا الصراط المستقيم ) إنها المفردات الحية التي تشير إلى الخط الإلهي في التطلع الإنساني. فهذا الإنسان الحائر في غياهب الظلمات ، التائه في صحارى التيه ، الغارق في بحار الأوهام ، السائر في طريق المجهول ، هذا الإنسان المتطلع إلى مشارق النور في الغيب ليكتشفها في عقله وقلبه وحياته ، في انتظار ، لا يأكل القلق روحه ، بل يملأ الأمل عينيه ؛ يناجي ربه في طفولة الإحساس الروحي بالفقر إليه ، والذوبان في مواقع الشوق الباحث عنه. إنه يبحث عن الهدى في معرفة ربه ، ومعرفة مواقع عظمته ، ومفردات نعمته ، وما يريد له ، وما يريده منه ، وما يخطط له من خطط ، وما يثيره في داخله من أشواق وتطلعات.
إنه يناديه ويناجيه ويدعوه : ها هو عبدك الحائر ، فأنقذه من حيرته ، الضال ، فاهده من ضلاله ، ووجهه نحو الطريق الذي تستقيم فيه النية ، ويتوازن فيه العقل ، ويطمئن له القلب ، وترتاح فيه الروح ، وتثبت فيه الأقدام.
ولا بد لنا من أن نقف أمام هذه الكلمات وقفة تأمل.
الهداية : الدلالة بلطف كما في مفردات الراغب للأصفهاني أما هداية الله تعالى للإنسان ، فيقول : إنها على أربعة أوجه :
الأول : الهداية التي عم بجنسها كل مكلف من العقل والفطنة والمعارف الضرورية التي أعم منها كل شيء بقدر ما فيه حسب احتماله كما قال : ( ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) [طه : 50].
الثاني : الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك ، وهو المقصود بقوله تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا ) [السجدة : 24].
Page 79