عنك ، وهي زلة من زلل الخاطئين ، وعثرة من عثرات المذنبين ، ثم انتبهت ، بتذكيرك لي ، من غفلتي ، ونهضت ، بتوفيقك لي ، من عثرتي ، وقلت : سبحان ربي ، كيف يسأل محتاج محتاجا ، وأنى يرغب معدم إلى معدم ، فقصدتك ، يا إلهي ، بالرغبة ، وأوفدت عليك رجائي بالثقة بك ، وعلمت أن كثير ما أسألك يسير في وجدك ، وأن خطير ما أستوهبك حقير في وسعك ، وأن كرمك لا يضيق عن سؤال أحد ، وأن يدك بالعطاء أعلى من كل يد » (1).
وهكذا نرى أن هذا الدعاء ينطلق ليركز في ذهنية الإنسان الفكرة التي تنفتح على الكلي القدرة ، الكريم في العطاء ، الواسع في النعماء ، الذي لا يضيق كرمه عن سؤال أحد ، كما أن يده بالعطايا أوسع من كل يد ، والذي يستغنى به ولا يستغنى عنه ، ويرغب إليه ولا يرغب عنه. كما ينفتح على الإنسان المحتاج إلى ربه ، لأن ذلك ليس شيئا ذاتيا ينطلق من سر الغنى في شخصه ، بل هو شيء طارئ ، يستمده من عطاء ربه ، في ما يمنحه من قدرة ، أو يعطيه من إمكانات.
وإذا كان الإنسان ؛ كل إنسان ، في موقع الحاجة إلى الله ، فكيف يتوجه الإنسان الواعي إلى مثله ليرفع حاجته إليه ، وهل ذلك إلا لون من ألوان الغفلة عن حقيقة الفقر الإنساني أمام حقيقة الغنى الإلهي ، بالإضافة إلى أنها زلة من زلل الخاطئين ، وعثرة من عثرات المذنبين ، لأنها خطيئة تتصل بالانحراف عن خط الاستقامة في التصور التوحيدي للإنسان ، وبالخلل في الوعي الإيماني للحقيقة الإلهية في معنى وجود الإنسان ، وحركته ، وفي سعة القدرة وشموليتها؟! وهكذا تتبلور لدى الإنسان مسألة الاستعانة بالله وحده ، بعيدا عن الاستعانة بغيره.
Page 76