وهناك ملاحظة أخرى في المسألة ، وهي أن تعدد المعنى في الاستعمال الواحد ، ليس مألوفا في الطريقة العامة للكلام ، لأنه لا ينسجم مع أسلوب التفاهم ، حتى في الكلمات المشتركة بين أكثر من معنى ، لأن الوضع للمعاني المتعددة لا يفرض استعمالها ، بل يعني حاجة كل واحد منها في إرادته من اللفظ إلى قرينة حالية أو مقالية ، وإذا كان الناس يتحدثون عن « المجمل » ، فإنه يوحي بالإجمال في معرفة المعنى المراد من اللفظ مع احتماله بين أكثر من معنى ، ولذلك فإن المسألة ليست مسألة الإمكان والاستحالة من حيث الذات ، بل هي مسألة المنهل الفني في استعمال الكلام في التفهيم لدى العرب ، فلو أريد هذا اللون من التعدد من الكلام ، لكان بعيدا عن النهج المألوف لديهم من خلال إخلاله بالوضوح ، وابتعاده بذلك عن مستوى البلاغة الذي يتنافى مع الإعجاز الفني الذي يرتفع به القرآن إلى أعلى قمة في الفن البلاغي ؛ هذا من جهة.
ومن جهة أخرى ، ما معنى أن يكون المعنى الباطن مخزونا لدى الراسخين في العلم وما فائدة ذلك؟ فإن كان ذلك من جهة أنهم حجج الله الذين لا بد من أن يقبل قولهم في أسرار الدين ، حتى لو لم يكن ذلك مفهوما من اللفظ ، فإن طبيعة الحجية تفرض ذلك من دون حاجة إلى تضمين القرآن لذلك ، لأن عصمتهم تؤكد صدقهم ، فتؤدي إلى قبول تلك الحقائق الخفية منهم ، وإن كان ذلك من خلال الطبيعة الذاتية للدلالة القرآنية ، فإن المفروض عدم وجود ظهور للقرآن في ذلك.
والسؤال : كيف نفهم ذلك؟
قد يكون من المفيد التحدث في هذا المجال عن نقطة مهمة في تكوين أية فكرة حول القضايا الفكرية الإسلامية ، وهي ضرورة التأكد من صحة الأحاديث المروية عن النبي محمد صل الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ،
Page 10