114

ومن الدليل على أن هذه الهداية الثانية من الله سبحانه فرع الأولى ، آيات كثيرة كقوله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة )، [إبراهيم : 27] وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ) [الحديد : 28]. وقوله تعالى : ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) [محمد : 7]. وقوله تعالى : ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) [الصف : 7]. وقوله تعالى: ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) [الصف : 5] إلى غير ذلك » (1).

وما يمكن ملاحظته هنا ، أن الآيات التي استدل بها صاحب الميزان على وجهة نظره ، لا تؤيد ما استفاده ، لأن تثبيت الله تعالى للمؤمنين ( بالقول الثابت )، وإيتاءه لهم ( كفلين من رحمته )، وجعله لهم « نورا » يمشون به ، ومن ثم نصره لهم وتثبيته لأقدامهم ، ونحو ذلك ، إنما تمثل الآثار اللازمة للتقوى والإيمان بالله وبرسوله ونصرتهم لله ، فهي نتيجة لهذه الأمور وليست شيئا منفصلا عنها ، وذلك من خلال سببية المقدمات للنتائج في الواقع الكوني للوجود ، والواقع العملي للإنسان ، وهذا لا يمنع صدق النسبة إلى الله في كل شيء باعتباره مسبب الأسباب ، أو قل السبب الأعمق في وجود كل شيء ، في المبدأ والتفاصيل.

وقد نجد أن اعتبار إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، من مظاهر سلامة الفطرة ، باعتبارهما مظهرا للخضوع لله في ربوبيته ؛ ليس واضحا ، لأن هذين الأمرين لم ينطلقا من حالة ذاتية للإنسان ، بل من التشريعات الإلهية.

ومن خلال ذلك ، نستطيع التأكيد أن كل هذه الأمور كانت من مظاهر الهدى القرآني الذي ينفتح في مفاهيمه على إثارة التفكير بالغيب كوسيلة من وسائل الإيمان به ، وتوجيه الإنسان إلى إقامة الصلاة والإنفاق مما رزقه الله ،

Page 123