قوله عز وجل: { وما يعلمان من أحد }؛ يعني الملكين؛ و { من } صلة؛ أي لا يعلمان أحدا السحر، { حتى }؛ ينصحاه أولا وينهياه و { يقولا إنما نحن فتنة } ، ومحنة؛ { فلا تكفر } ، بتعلم السحر. يقولان له ذلك سبع مرات. قال السدي وعطاء: (فإن أبى إلا التعلم! قالا له: ائت هذه الرماد فبل عليه؛ فإذا بال عليه خرج منه نور يسطع في السماء؛ فتلك المعرفة. وينزل شيء أسود حتى يدخل مسامعه يشبه الدخان؛ وذلك غضب الله).
وقوله عز وجل: { إنما نحن فتنة } { إنما } وحدها لأنها مصدر؛ والمصدر لا يثنى ولا يجمع مثل قوله:
وعلى سمعهم
[البقرة: 7]. وفي مصحف أبي : (وما يعلم الملكان من أحد). وتعلم السحر لا يكون إثما؛ كمن يقول لرجل: علمني ما الزنا، وما السرقة؟ فيقول: هو كذا وكذا؛ ولكنه حرام فلا تفعله. وهما كانا لا يصفان السحر لأحد حتى يقولا: إنما نحن اختبار وابتلاء للناس؛ فلا تكفر أيها المتعلم؛ أي لا تتعلم للعمل به.
وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قدمت علي امرأة من أهل دومة الجندل تبغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته لتسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به، فلما لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بكت حتى رحمتها، وقالت: إني أخاف أن أكون قد هلكت؛ كان لي زوج فغاب عني، فدخلت على عجوز فشكوت ذلك إليها، فقالت: إن فعلت ما آمرك فأجعله يأتيك. فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين فركبت أحدهما وركبت الآخر، فلم يكن كثيرا حتى وقفنا ببابل، فإذا برجلين معلقين بأرجلهما، فقالا: ما جاء بكن؟ قلت: لنتعلم السحر، فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي، فقلت: لا، قالا: إذهبي إلى ذلك التنور؛ فبولي فيه. فذهبت ففزعت ولم أفعل فجئت إليهما، فقالا لي: فعلت؟ فقلت: نعم، فقالا: هل رأيت شيئا؟ قلت: لا، قالا: كذبت، إنك لم تفعلي، ارجعي إلى بلادك، إنما نحن فتنة فلا تكفري. فأبيت، قالا: إذهبي إلى تلك التنور فبولي فيه، فذهبت فاقشعر جلدي فرجعت إليهما، فقلت: قد فعلت: قالا: هل رأيت شيئا؟ قلت: لا، قالا: كذبت، لم تفعلي ارجعي إلى بلادك فلا تكفري. فأبيت. قالا: إذهبي إلى تلك التنور فبولي فيه، فذهبت فبلت فيه، فرأيت فارسا مقنعا بحديد خرج مني حتى ذهب في السماء وغاب عني حتى لم أره، فجئتهما، فقلت: قد فعلت، فقالا لي: ما رأيت؟ قلت: رأيت فارسا مقنعا بالحديد، خرج مني فذهب في السماء حتى غاب، قالا: صدقت، ذاك إيمانك خرج منك، إذهبي. فلما رأيت أني لا أريد شيئا إلا كان سقط في يدي وندمت والله يا أم المؤمنين، ما فعلت شيئا قط ولآ أفعله أبدا.
قوله تعالى : { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } ، قيل: معناه: فيعمل به السامع؛ فيكفر بالعمل؛ فتقع الفرقة بينه وبين زوجته بالردة، إذا كانت مسلمة. وقيل: معناه: يسعى بينهما بالنميمة والإغراء والإفشاء وتمويه الباطل لكي يبغض كل واحد منهما صاحبه فيفارقه.
قرأ الحسن (بين المر) بالتشديد. وقرأ الزهري: بضم الميم والهمزة. وقرأ الباقون بفتح الميم والهمزة. { وما هم بضآرين به }؛ أي بالسحر، { من أحد }؛ أي أحدا؛ وقوله: { إلا بإذن الله }؛ أي بعلمه وقضائه ومشيئته.
قوله تعالى: { ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم }؛ أي يضرهم في الآخرة ولا ينفعهم في الدنيا. وقيل: معناه: يضرهم ولا ينفعهم كلاهما في الآخرة؛ لأن السحر كان ينفعهم في دنياهم، لأنهم يكتسبون به.
قوله تعالى: { ولقد علموا }؛ أي علمت اليهود، { لمن اشتراه }؛ أي لمن اختار السحر والكفر على الإيمان، { ما له في الآخرة من خلق }؛ أي من نصيب. وقال الحسن: (من دين ولا وجه عند الله). وقال ابن عباس: (من قوام).
وقيل: من خلاص. قال أمية: يدعون بالويل فيها؛ لا خلاق لهم إلا السرابيل من قطر وأغلال؛ أي لا خلاص لهم.
Page inconnue