واختلفوا في وجوب الكتابة على الكاتب؛ والشهادة على الشاهد؛ فقال مجاهد والربيع: (واجب على الكاتب أن يكتب). وقال الحسن: (ذلك في الموضع الذي لا يقدر فيه على كاتب غيره، فيضر بصاحب الدين إن امتنع، فإن الكتابة حينئذ عليه فريضة.
وإن قدر على كاتب غيره فهو في سعة إذا قام به غيره). وقال الضحاك: (هذا " كان " واجبا، فنسخه قوله تعالى: { ولا يضآر كاتب ولا شهيد }. وقال السدي: (هو واجب عليه في حال فراغه). وقال الشعبي: (هو واجب على الكفاية كالجهاد). والصحيح: أن الكتابة غير واجبة في الأصل على المتداينين، فإذا لم تكن واجبة عليهم؛ فكيف تكون واجبة على الأجنبي الذي لا حكم له في هذا العقد ولا سبب؟!
قوله تعالى: { وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا }؛ يعني المديون المطلوب يقر على نفسه بلسانه ليعلم ما عليه ويملي على الكاتب. والإملال والإملاء: بمعنى واحد؛ وهما لغتان فصيحتان جاء بهما القرآن. ثم خوفه الله تعالى فقال: { وليتق الله ربه } أي وليخش الله ولا ينقص من الحق الذي عليه شيئا.
قوله عز وجل: { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل }؛ أي فإن كان المطلوب الذي عليه المال سفيها أو ضعيفا؛ أي خفيف العقل جاهلا بالإملاء؛ لا يميز تمييزا صحيحا، قاله مجاهد. وقال السدي: (يعني عاجزا لا يستطيع أن يمل لعجمة أو زمانة). وقوله تعالى: { ضعيفا } أي ضعيفا في العقل مثل الصبي والمرأة أو شيخا كبير السن. وقوله تعالى: { أو لا يستطيع أن يمل هو } يعني لمرض أو خرس أو حبس لا يمكنه حضور الكتاب أو يجهل ما له وعليه. قوله: { فليملل وليه بالعدل } أي وليه الذي يقوم بأمره.
وقوله تعالى: { بالعدل } أي بالحق. وقال ابن عباس والربيع ومقاتل: (فليملل ولي الحق) وهو صاحب الدين؛ لأنه أعلم بدينه يمل بالعدل والصدق والحق والإنصاف.
قوله تعالى: { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } يعني أشهدوا على الحق شهيدين من الأحرار البالغين دون الكفار والعبيد والصبيان، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وسفيان وأكثر الفقهاء. وأجاز شريح وابن سيرين شهادة العبيد، وأجاز بعضهم شهادتهم في الشيء التافه.
قوله تعالى: { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان }؛ الآية، أي فإن لم يكن الشاهدان رجلين فليكن رجل وامرأتان. قوله: { ممن ترضون من الشهدآء }؛ أي ممن ترضون عدالته وأمانته. والمرضي: من يجتمع فيه ثلاثة أشياء:
أحدها: العدالة، وأصلها الإيمان واجتناب الكبائر ومراعاة حقوق الله من الواجبات والمسنونات وصدق " الحديث " وأداء الأمانة.
والثاني: نفي التهمة؛ نحو أن لا يكون المشهود له ولدا ولا والدا ولا زوجة ولا زوجا، فإن شهادة هؤلاء غير مقبولة لما ذكرنا، وإن كانوا عدولا مرضيين.
الثالث: التيقظ وقلة الغفلة وأن لا يكون كثير الغلط.
Page inconnue