192

Tafsīr Ibn Kathīr

تفسير ابن كثير

Enquêteur

سامي بن محمد السلامة

Maison d'édition

دار طيبة للنشر والتوزيع

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

1420 AH

Genres

Tafsir
أَيْ: غَيْرِ صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ.
اكْتَفَى بِالْمُضَافِ إِلَيْهِ عَنْ ذِكْرِ الْمُضَافِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ (لَا) فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ زَائِدَةٌ، وَأَنْ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ عِنْدَهُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ، وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ الْعَجَّاجِ: فِي بئْر لَا حُورٍ سَرَى (١) وَمَا شَعَر (٢)
أَيْ فِي بِئْرِ حُورٍ. وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَلِهَذَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ﵁: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: " غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْر الضَّالّين". وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ (٣)، [وَكَذَا حُكِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ] (٤) وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ، فَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا جِيءَ بِهَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، [لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾] (٥)، وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ، لِتُجْتَنَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ فَإِنَّ طَرِيقَةَ أَهْلِ الْإِيمَانِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَالْيَهُودُ فَقَدُوا الْعَمَلَ، وَالنَّصَارَى فَقَدُوا الْعِلْمَ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْغَضَبُ لِلْيَهُودِ، وَالضَّلَالُ لِلنَّصَارَى، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ وَتَرَكَ اسْتَحَقَّ الْغَضَبَ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ. وَالنَّصَارَى لَمَّا كَانُوا قَاصِدِينَ شَيْئًا لَكِنَّهُمْ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى طَرِيقِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ، وَهُوَ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ الْحَقِّ، ضَلُّوا، وَكُلٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ضَالٌّ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، لَكِنَّ أَخَصَّ أَوْصَافِ الْيَهُودِ الْغَضَبُ [كَمَا قَالَ فِيهِمْ: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾] (٦) [الْمَائِدَةِ: ٦٠] وَأَخَصُّ أَوْصَافِ النَّصَارَى الضَّلَالُ [كَمَا قَالَ: ﴿قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل﴾] (٧) [الْمَائِدَةِ: ٧٧]، وَبِهَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ. [وَذَلِكَ وَاضِحٌ بَيِّنٌ] (٨) . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ سِماك بْنَ حَرْبٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عبَّاد بْنَ حُبَيش، يُحَدِّثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: جَاءَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَخَذُوا عَمَّتِي وَنَاسًا، فَلَمَّا أَتَوْا بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صُفُّوا لَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَاءَ الْوَافِدُ وَانْقَطَعَ الْوَلَدُ، وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ، مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ، فمُنّ عَلَيَّ مَنّ اللَّهُ عَلَيْكَ، قَالَ: "مَنْ وَافِدُكِ؟ " قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: "الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ! " قَالَتْ: فمنَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعَ، وَرَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ (٩)، تَرَى أَنَّهُ عَلِيٌّ، قَالَ: سَلِيهِ حُمْلانا، فَسَأَلَتْهُ، فَأَمَرَ لَهَا، قَالَ: فَأَتَتْنِي فَقَالَتْ: لَقَدْ فَعَلَ فَعْلَةً مَا كَانَ أَبُوكَ يَفْعَلُهَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ، وَأَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ، فَأَتَيْتُهُ فَإِذَا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَصِبْيَانٌ أَوْ صَبِيٌّ، وَذَكَرَ قُرْبَهُمْ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْكِ كسرى ولا قيصر، فقال:

(١) في جـ، ط: "سعى".
(٢) البيت في تفسير الطبري (١/١٩٠) .
(٣) فضائل القرآن (ص ١٦٢) .
(٤) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(٥) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(٦) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(٧) زيادة من جـ، ط
(٨) زيادة من جـ، ط، أ، و.
(٩) في جـ، "فلما رجع ودخل إلى ختنه".

1 / 141