190

Tafsīr Ibn Kathīr

تفسير ابن كثير

Enquêteur

سامي بن محمد السلامة

Maison d'édition

دار طيبة للنشر والتوزيع

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

1420 AH

Genres

Tafsir
وَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، قَالَ: الْحَقُّ. وَهَذَا أَشْمَلُ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ؛ حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ قَالَ: هُوَ النَّبِيُّ ﷺ، وَصَاحِبَاهُ مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ عَاصِمٌ: فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلْحَسَنِ، فَقَالَ: صَدَقَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَنَصَحَ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ مُتَلَازِمَةٌ، فَإِنَّ مَنِ اتَّبَعَ النَّبِيَّ ﷺ، وَاقْتَدَى بِاللَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَدِ اتَّبَعَ الْحَقَّ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْحَقَّ فَقَدِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ فَقَدِ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ، وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ وَحَبْلُهُ الْمَتِينُ، وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ، فَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّقَطِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ المِصِّيصي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي تَرَكَنَا عَلَيْهِ رسولُ اللَّهِ ﷺ (١) . وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، ﵀: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدِي -أَعْنِي ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ -أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ: وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَى مَا ارْتَضَيْتَهُ وَوَفَّقْتَ لَهُ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِكَ، مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَذَلِكَ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ مَن وُفِّقَ لِمَا وُفق لَهُ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (٢) مِن النَّبِيِّينَ وَالصَّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَقَدْ وُفق لِلْإِسْلَامِ، وَتَصْدِيقِ الرُّسُلِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ، وَالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَالِانْزِجَارِ عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ، وَاتِّبَاعِ مِنْهَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمِنْهَاجِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَكُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ (٣) يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ؟ فَهَلْ (٤) هَذَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ أَمْ لَا؟
فَالْجَوَابُ: أَنْ لَا وَلَوْلَا احْتِيَاجُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى سُؤَالِ الْهِدَايَةِ لَمَا أَرْشَدَهُ اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ مُفْتَقِرٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَحَالَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَثْبِيتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ، وَرُسُوخِهِ فِيهَا، وَتَبَصُّرِهِ، وَازْدِيَادِهِ مِنْهَا، وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَرْشَدَهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنْ يَمُدَّهُ بِالْمَعُونَةِ وَالثَّبَاتِ وَالتَّوْفِيقِ، فَالسَّعِيدُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِسُؤَالِهِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إِذَا دَعَاهُ، وَلَا سِيَّمَا الْمُضْطَرُّ الْمُحْتَاجُ الْمُفْتَقِرُ إِلَيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ﴾ الْآيَةَ [النِّسَاءِ: ١٣٦]، فَقَدْ أَمَرَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْإِيمَانِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّبَاتُ وَالِاسْتِمْرَارُ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُعِينَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ تَعَالَى آمِرًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ وَقَدْ كَانَ الصدِّيق ﵁ يَقْرَأُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سِرًّا. فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ اسْتَمِرَّ بِنَا عَلَيْهِ ولا تعدل بنا إلى غيره.

(١) المعجم الكبير (١٠/٢٤٥) .
(٢) في ط، ب: "عليه".
(٣) في ط، ب: "فكيف".
(٤) في جـ، ب: "وهل".

1 / 139