Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Genres
[1.5]
{ إياك نعبد } يعنى ينبغى للقارى ان يرتقى الى مقام الحضور ويشاهد الحق تعالى فى مظاهره تعالى فيرى انه ما كان مالكا لشيىء من امواله وافعاله واوصافه وذاته وان الله كان هو المالك للكل بالاستحقاق فيقع فى مقام الالتجاء ويخاطبه بلسان حاله وقاله ولسان ذاته وجميع جنوده وقواه ويظهر عبوديته ورقيته له تعالى بنحو حصر العبودية فيه فان مقام الحضور يقتضى التضييق فى العبودية بحيث لا يبقى للحاضر مجال النظر الى غير المعبود الم تنظر الى قوله تعالى
ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها
[النساء: 97] من غير ذكر عبادة فيه فضلا عن حصر العبادة فيه تعالى، والى قوله تعالى
يعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون
[العنكبوت: 56] بذكر العبادة وحصرها فيه تعالى، فان مقام الغيبة لا يكون فيه عبادة ولو فرض عبادة لم يكن الا للاسم لا لله فضلا عن الحصر فيه تعالى، وفى مقام الحضور لا يكون غير العبادة ولا تكون العبادة الا لمن حضر لديه ولذلك قال تعالى فى موضع آخر { واعبدوا الله } { واعبدوا ربكم } ويكون المقصود من اظهار العبادة والحصر فى الله تعالى تمهيدا لطلب الاعانة منه ويقول بطريق الحصر نفعل فعل العبيد لك لا لغيرك او نصير عبيدا لك لا لغيرك { وإياك نستعين } فى دوام الحضور عندك وعدم الخروج من هذا المقام والبقاء على عبوديتك وفى جملة الامور سوى هذا، واذا بلغ السالك فى قراءته الى مقام الحضور عند ربه يكون لا محالة يتجاذبه كثرات وجوده ورعايا مملكته وتتقاضى منه قضاء حاجاتها واحقاق حقوقها فيضطر الى الالتفات اليها والى كثرات خارجة من مملكته لاضطرار الحاجة اليها فى قضاء حقوق رعاياه ويرى انه قلما ينفك فى معاملة الكثرات عن الافراط والتفريط وهما مانعان عن مقام الحضور ولذة الوصال فيتضرع على ربه ويسأله الابقاء على لذة الوصال عن الاشتغال بالاغيار ويقول { اهدنا الصراط المستقيم }.
[1.6]
فى معاملاتنا مع اهل مملكتنا والكثرات الخارجة من مملكتنا بالتوسط بين افراط التنصر وتفريط التهود فان الافراط وهو التجاوز عن الطريق بعد الوصول اليه يمنعنا عن مشاهدة جمالك بعد ما منحتنا بها، والتفريط ايضا يقصر بنا عن الحضور لديك. والهداية هى ارائة الطريق سواء كانت مع الايصال الى المطلوب او الى الطريق او مجردة عنهما، وسواء عديت بنفسها او بالى او باللام، والصراط بالصاد والسراط بالسين والزراط بالزاء الطريق وقرء هاهنا بالصاد والسين والصراط الظاهر ظاهر ومستقيمه معلوم والمستوى منه ما كان فى حاق الوسط او مستقيما وقد يقال المستقيم للطريق الذى يكون على اقرب الخطوط الى المقصود وهكذا المستوى والطريق فى الحركات الاينية هو المسافة بين مبدء الحركة ومنتهاها سواء صارت جادة وطريقا فى الارض او لم تصر، وهكذا الحال فى الحركات الوضعية ويكون المسافة وحدودها فى هاتين الحركتين موجودة قبل الحركة واما الحركات الكيفية والكمية والجوهرية فالطريق فيها وهى مراتب الكيف والكم الطارئة على الجسم المتحرك ومراتب الصور الجوهرية المتعاقبة على الجوهر المتحرك غير موجود لا قبل الحركة ولا بعدها بل هو كالحركة القطعية التى لا وجود لها لا قبل الحركة ولا بعدها بل وجودها يكون فى الذهن بسبب رسم وصول المتحرك الى حدود المراتب امرا متصلا وحدانيا فيه والموجود من الطريق فيها هو مرتبة من الكيف او الكم او الجوهر التى وجودها كالحركة التوسطية عين قوة عدمها وتكونها عين قوة تصرفها ولذلك اشكل الامر على كثير من اهل النظر فى بقاء موضوع محفوظ فى هذه الحركات خصوصا فى الحركات الكمية والجوهرية بناء على ان الجسم التعليمى منتزع عن الجسم الطبيعى وبتبدله يتبدل الجسم الطبيعى وبتبدله يتبدل الموضوع وهكذا الحال فى توارد الصور الجوهرية فى الحركات الجوهرية والحق ان الموضوع محفوظ بكم ما وصورة ما محفوظين فى ضمن الكميات والصور الواردة بحافظ شخصى غيبى ومادة باقية بكم ما وصورة ما فان الاتصال الوحدانى مساو للوحدة الشخصية وكل مكون من الجماد والنبات والحيوان متحرك من اول تكونه فى الكيف والكم بل فى الصور الجوهرية حتى ينتهى الى كماله اللائق بنوعه او شخصه وهذا معنى كون الكون فى الترقى فان الحركة خروج تدريجا من القوة الى الفعل والخروج من القوة الى الفعل معنى الترقى وكل من هذه خروجه من القوة الى الفعل من اول تكونه الى كماله اللائق به يكون على الصراط المستقيم والفعليات اللائقة به ان لم يمنعه مانع ولم يعقه عائق سوى الانسان من افراد الحيوان فانه بحسب استكمال بدنه يخرج على الصراط المستقيم اللائق بنوعه وشخصه ان لم يعقه عائق وبحسب استكمال نفسه ايضا يخرج من القوة الى الفعل على الصراط اللائق بنوعه وشخصه ما لم يحصل له استقلال فى اختياره فاذا حصل له استقلال فى اختياره وحان اوان تمرينه وتكليفه فقد يخرج من القوى الى الفعليات اللائقة بنوع الانسان من دون حصول فعلية مخالفة لنوعه متخللة بين تلك الفعليات حتى يصل الى آخرة فعلياته وهى مقام الاطلاق والولاية الكلية وعلوية على (ع) وهذا نادر وكثيرا ما يخرج من القوى الى الفعليات اللائقة به بتخلل فعليات غير لائقة به فيكون خروجه الى الفعليات لا على الصراط المستقيم الانسانى بل قد يعود صراطه الى غير الفعليات اللائقة به وقوله تعالى
ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال
اشارة الى هؤلاء السلاك، وقد يخرج الانسان الى الطرق المعوجة والفعليات الغير اللائقة به من دون فعلية لائقة به فقد ينتهى فى تلك الفعليات فيصير أخس من البهائم او السباع او الشيطان وقد يقف فيمسخ بصورة الفعلية التى وقف عليها ولما كان الصراط المستقيم الانسانى ادق الامور بحيث لا يمكن لكل بصير تمييزه، وأحد الامور بحيث لا يمكن لكل سالك سلوكه من غير زلة الى احد الطرفين، وأخفى الامور بحيث لا يمكن لكل مدرك ادراكه وكان الاشخاص مختلفين فى السير عليه بحسب فطرتهم وبحسب الاسباب والمعاونات الخارجة وصف بأنه أدق من الشعر وأحد من السيف وانه مظلم يسعى الناس عليه على قدر انوارهم ولكون تلك الفعليات اللائقة بالانسان صور مراتب انسانية الانسان ومحفوفة بفعليات الافراط والتفريط التى هى انموذجات الجحيم ومخرجة للانسان فى كل مرتبة وفعلية من صورة من صور مراتب النيران وموصلة الى صورة مرتبة من مراتب الجنان ورد ان الصورة الانسانية هى الطريق المستقيم الى كل خير والجسر الممدود بين الجنة والنار؛ وان الصراط ممدود على متن جهنم، ولما كان السلوك على الصراط الانسانى والخروج من القوى الى الفعليات الانسانية مستلزما للتوسط بين الافراط والتفريط فى الاعمال البدنية والاحكام الشرعية وفى الاعمال القلبية يعنى الاخلاق النفسية والاحوال الطارئة وفى الاوصاف العقلية والعقائد الدينية وكان التوسط فى ذلك مستلزما للسلوك على الصراط الانسانى فسر الصراط بالتوسط فى الاعمال والاحوال والاخلاق والعقائد والتوسط فى الاعمال مثل التوسط فى الاكل والشرب المشار اليه بقوله تعالى { كلوا واشربوا } فانه اباحة للاكل والشرب او استحباب او وجوب ومنع عن الامساك { ولا تسرفوا } فانه منع صريحا عن الافراط، ومثل التوسط فى الانفاقات المشار اليه بقوله تعالى
Page inconnue