Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Genres
وقوله تعالى { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } ان كان المراد به الامر بحسن المعاشرة فى مرمة المعاش كان بمنزلة التعليل لقوله: { واركعوا مع الراكعين } على المعنى الاخير وامرا لهم بحسن المعاشرة على أبلغ وجه وأوكده، وان كان المراد الامر بحسن المؤانسة مع الحق وحسن المعاشرة مع الخلق كان بمنزلة التعليل لمجموع قوله { واقيموا الصلاة } (الخ) والاستفهام للانكار التوبيخى والمعنى انكم مفطورون على ان تأمروا الناس بالبر والاحسان فى العبادات وبالاحسان مع الخلق ومكلفون من الله مطابقا للفطرة بذلك ولا يجوز لكم أن تأمروا الناس بذلك وتتركوا أنفسكم بان لا تصلحوا بالإتمار فأصلحوها اولا باقامة الصلاة وايتاء الزكاة والركوع مع الراكعين بأى معنى أريد، ثم مروا الناس بذلك لقبح امر الناس بذلك وعدم الإتمار به فى العقل والعرف { وأنتم تتلون الكتاب } السماوى من التوراة والانجيل وغيرهما من الصحف دونهم، او انتم تتلون كتاب النبوة وأحكام الشريعة دون الناس فانتم عالمون بالمعروف دونهم، فانتم اولى بالإتمار منهم، او المعنى وانتم تتلون الكتاب وفيه قبح الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ممن لا يأتمر ولا يتناهى { أفلا تعقلون } قبح ذلك وعقوبة القبيح بعده.
تحقيق الامر بالمعروف وموارده
اعلم ان الامر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان فى الجملة اما عموم وجوبهما لكل فرد بالنسبة الى كل واحد من الناس وبلا شرط فلا؛ فنقول: انهما واجبان على كل بالغ رشيد بالنسبة الى من فى عالمه الصغير فانه اذا تعلق التكليف بالانسان كان عليه ان يأمر نفسه وقواه بما علم انه خيره وينهى عما هو شره بالنسبة الى قوته الانسانية كما كان يأمر بما هو خيره وينهى عما هو شر له بالنسبة الى قواه الحيوانية قبل ذلك، وما لم يعلم انه خير او شر كان عليه اولا تحصيل العلم بذلك ثم الامر والنهى، ومن كان جمع آخر تحت يده مثل امرأته واولاده ومملوكه لا مثل الاجير والمكارى والخادم كان عليه ان يأمرهم بما علم انه خير لهم وينهاهم كذلك، وما لم يعلم انه خير او شر كان عليه تحصيل علمه اولا ثم الامر والنهى وليس عليه ان يطهر نفسه اولا ثم يستأذن الامام ثم يأمر وينهى فان من تحت اليد كالقوى والجنود التى فى عالمه الصغير من جملة اجزائه، والامر والنهى بالنسبة اليهم مطلقان غير مقيدين بطهارة النفس عن جملة الرذائل وحصول القوة القدسية الرادعة عن المعاصى، نعم كان عليه ان يأمر وينهى اولا نفسه ويزجرها عن الرذائل ثم يأمر وينهى من تحت يده والا دخل تحت الامر التارك والناهى الفاعل، واما بالنسبة الى عموم الخلق فليس ذلك واجبا على كل احد بل على من تطهر اولا من المعاصى والرذائل، وحصل القوة القدسية الرادعة عن ارتكاب المعاصى، وحصل العلم بمعروف كل احد من الناس ومنكره فان المعروف والمنكر يختلفان بحسب اختلاف الاشخاص؛
" وحسنات الابرار سيئات المقربين "
يدل عليه، وفى الاولين خلاف بل أفتى اكثر الفقهاء رضوان الله عليهم بوجوب الامر بالمعروف على تاركه والنهى عن المنكر على فاعله، واما الثالث فلا خلاف فى انه شرط لوجوب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر بل لا خلاف فى كونه شرطا لجوازهما، وقيل: ان هذا الشرط يقتضى اشتراطهما بالاولين ايضا فان العلم بمعروف كل احد ومنكره يقتضى البصيرة التامة بحاله بحيث يعلم انه فى اى مقام من الايمان والاسلام، ويعلم أن اى مرتبة من الاحكام يقتضيها ذلك المقام، وهذه البصيرة لا تكون الا لمن تطهر عن المعاصى والرذائل وحصل القوة القدسية التى هى شرط فى الافتاء، فان الافتاء كالامر بالمعروف لا يجوز لكل احد بل لمن تطهر وحصل القوة القدسية المذكورة وسيأتى ان شاء الله بيان له، وفيما روى عن الصادق (ع) تصريح بعدم جواز الامر بالمعروف والنهى عن المنكر بالنسبة الى عموم الخلق لكل فرد من الناس وهو قوله (ع): من لم ينسلخ من هواجسه ولم يتخلص من آفات نفسه وشهواتها ولم يهزم الشيطان ولم يدخل فى كنف الله وامان عصمته لا يصلح للامر بالمعروف والنهى عن المنكر لانه اذا لم يكن بهذه الصفة فكل ما أظهر يكون حجة عليه ولا ينتفع الناس به قال الله تعالى: { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } ويقال له: يا خائن اتطالب خلقى بما خنت به نفسك وأرخيت عنه عنانك، وهكذا الحال فيما روى عنه (ع) انه سئل عن الامر بالمعروف والنهى عن المنكر أواجب هو على الامة جميعا؟ - فقال: لا، فقيل: ولم؟ - قال: انما هو على القوى المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا الى اى من اى يقول من الحق الى الباطل والدليل على ذلك كتاب الله تعالى قوله
ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
[آل عمران: 104] فهذا خاص غير عام كما قال الله تعالى:
ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون
[الأعراف: 159]، ولم يقل: على أمة موسى، ولا على كل قوم وهم يومئذ امم مختلفة، والامة واحد فصاعدا كما قال الله تعالى:
إن إبراهيم كان أمة قانتا
Page inconnue