71

Le Tafsir de l'Océan

البحر المحيط في التفسير

Chercheur

صدقي محمد جميل

Maison d'édition

دار الفكر

Numéro d'édition

١٤٢٠ هـ

Lieu d'édition

بيروت

الشَّرِكَةُ فِيهِ. وَأَمَّا الْإِضْحَاكُ وَالْإِبْكَاءُ وَالْإِمَاتَةُ وَالْإِحْيَاءُ وَالْإِغْنَاءُ وَالْإِقْنَاءُ فَقَدْ يَدَّعِي ذَلِكَ، أَوِ الشَّرِكَةَ فِيهِ مُتَوَاقِحٌ كَذَّابٌ كَنُمْرُوذَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى «١»، فَدُخُولُ هُوَ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ رَبُّ هَذَا النَّجْمِ، وَإِنْ كَانَ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، لِأَنَّ هَذَا النَّجْمَ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَاتُّخِذَ إِلَهًا، فَأَتَى بِهِ لِيُنَبِّهَ بِأَنَّ اللَّهَ مُسْتَبِدٌّ بِكَوْنِهِ رَبًّا لِهَذَا الْمَعْبُودِ، وَمَنْ دُونَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ. وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمُفْلِحُونَ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ فِي الْخَارِجِ أَوْ فِي الذِّهْنِ، وَذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: زَيْدٌ الْمُنْطَلِقُ، فَالْمُخَاطَبُ يَعْرِفُ وُجُودَ ذَاتِ صَدْرٍ مِنْهَا انْطِلَاقٌ، وَيَعْرِفُ زَيْدًا وَيَجْهَلُ نِسْبَةَ الِانْطِلَاقِ إِلَيْهِ، وَأَنْتَ تَعْرِفُ كُلَّ ذَلِكَ فَتَقُولُ لَهُ: زَيْدٌ الْمُنْطَلِقُ، فَتُفِيدُهُ مَعْرِفَةَ النِّسْبَةَ الَّتِي كَانَ يَجْهَلُهَا، وَدَخَلَتْ هُوَ فِيهِ إِذَا قُلْتَ: زَيْدٌ هُوَ الْمُنْطَلِقُ، لِتَأْكِيدِ النِّسْبَةِ، وَإِنَّمَا تُؤَكِّدُ النِّسْبَةَ عِنْدَ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ يَشُكُّ فِيهَا أَوْ يُنَازِعُ أَوْ يَتَوَهَّمُ الشِّرْكَةَ. وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: الم إِلَى قَوْلِهِ: الْمُفْلِحُونَ أَقْوَالًا: أَحَدُهَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ. الثَّانِي: نَزَلَتْ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَذَكَرُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ ضروب الفصاحة أَنْوَاعًا: الْأَوَّلُ: حُسْنُ الِافْتِتَاحِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى افْتَتَحَ بِمَا فِيهِ غُمُوضٌ وَدِقَّةٌ لِتَنْبِيهِ السَّامِعِ عَلَى النَّظَرِ وَالْفِكْرِ وَالِاسْتِنْبَاطِ. الثَّانِي: الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ أَدْخَلَ اللَّامَ إِشَارَةً إِلَى بُعْدِ الْمَنَازِلِ. الثَّالِثُ: مَعْدُولُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا رَيْبَ فِيهِ صِيغَتُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ. الرَّابِعُ: الِاخْتِصَاصُ هُوَ فِي قَوْلِهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الْخَامِسُ: التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، وَفِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ، والَّذِينَ إِنْ كَانَ الْمَوْصُوفُ وَاحِدًا فَهُوَ تَكْرَارُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا كَانَ مِنْ تَكْرَارِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، وَمِنَ التَّكْرَارِ أُولئِكَ، وأُولئِكَ. السَّادِسُ: تَأْكِيدُ الْمُظْهَرِ بِالْمُضْمَرِ فِي قَوْلِهِ: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَفِي قَوْلِهِ: هُمْ يُوقِنُونَ. السَّابِعُ: الْحَذْفُ، وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ أَحَدُهَا هَذِهِ الم عِنْدَ مَنْ يُقَدِّرُ ذَلِكَ، وَهُوَ هُدًى، وَيُنْفِقُونَ في الطاعة، وبِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ومِنْ قَبْلِكَ، أَيْ قَبْلَ إِرْسَالِكَ، أَوْ قَبْلَ الْإِنْزَالِ، وَبِالْآخِرَةِ، أَيْ بِجَزَاءِ الْآخِرَةِ، ويُوقِنُونَ بِالْمَصِيرِ إِلَيْهَا، وعَلى هُدىً، أَيْ أَسْبَابِ هُدًى، أَوْ عَلَى نُورٍ هُدًى، والْمُفْلِحُونَ، أَيِ الْبَاقُونَ فِي نعيم الآخرة.

(١) سورة النجم: ٥٣/ ٤٩.

1 / 74