240

Tafsir and the Exegetes

التفسير والمفسرون

Maison d'édition

مكتبة وهبة

Lieu d'édition

القاهرة

Genres

الإفتاء نحوًا من ثلاثين سنة أظهر فيها الدقة العلمية التامة، والبراعة فى الفتوى والتفنن فيها، وقد ذكروا عنه أنه كان يكتب جواب الفتوى على منوال ما يكتبه السائل من الخطاب، فإن كان السؤال منظومًا، كان الجواب منظومًا كذلك، مع الاتفاق بينهما فى الوزن والقافية، وإن كان السؤال نثرًا مسجعًا، كان الجواب مثله، وإن كان بلغة العرب فالجواب بلغة العرب، وإن كان بلغة التُرْك، فالجواب بلغة التُرْك ... وهكذا مما يشهد للرجل بسعة أُفقه وغزارة مادته، ولقد قرأنا فى ترجمته شيئًا من الاستفتاء والفتوى، فوجدنا صدق ما قيل عنه فى ذلك.
وكان ﵀ كما قيل عنه من الذى قعدوا من الفضائل والمعارف على سنامها وغاربها، وسارت بذكره الركبان فى مشارق الأرض ومغاربها، ولقد حاز قصب السبق بين أقرانه، ولم يقدر أحد أن يجاريه فى ميدانه، ولقد كان اشتغاله بالتدريس وتنقله بين كثير من المدارس وتوليه للقضاء ثم الفتوى سببًا عاتقًا له عن التفرغ والتصنيف والتأليف، ولكنه اختلس فرصًا من وقته فصرفها إلى كتابة التفسير. فأخرج الناس كتابه الذى نحن بصدده، كما أنه كتب بعض الحواشى على تفسير الكشاف، وكتب حاشية على العناية من أول كتاب البيع من الهداية. وعلى الجملة فقد جمع صاحبنا بين العلم والأدب، فبينما نراه مُجوِّدًا فيما كتبه وألَّفه من كتب العلم، نراه مبدعًا غاية الإبداع فيما أُثِر عنه من منثور ومنظوم، ولا أظن أن صاحبه الذى رثاه بعد وفاته قد تغالى فى الثناء، أو اشتط فى الرثاء حيث يقول فى مرثيته الطويلة:
ما العلم إلا ما حويتَ حقيقة ... وعلوم غيرك فى الورى كسراب
توفى ﵀ بمدينة القسطنطينية، ودفن بجوار أبى أيوب الأنصارى، وذلك فى أوائل جمادى الأولى سنة ٩٨٢ هـ (اثنتين وثمانين وتسعمائة من الهجرة) . فرحمه الله رحمة واسعة.
* *
* التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
قلنا: إن صاحب هذا التفسير شغُل كثيرًا بالتدريس والقضاء والفتوى، ولكنه اختلس فرصًا من وقته ألَّف فيها كتابه فى التفسير، قلنا هذا فيما سبق، والمؤلف نفسه يقرر هذا فى مقدمة تفسيره، ولم يُعرف أنه أخرج تفسيره للناس دفعة واحدة، بل ذكروا أنه ابتدأ فيه، فلما وصل إلى آخر سورة (ص) عرض له من الشواغل ما جعله يقف فى تفسيره عند هذا الحد، فبيَّض ما كتب فى شعبان سنة ٩٧٣هـ (ثلاث وسبعين وتسعمائة من الهجرة) ثم أرسله إلى الباب العالى، فتلقاه السلطان سليمان

1 / 246