Tafsir Al-Uthaymeen: Surah Fussilat
تفسير العثيمين: فصلت
Maison d'édition
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٧ هـ
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
[﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من أَمْرِ الدُّنيا واتِّباعِ الشَّهواتِ ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ مِن أمْرِ الآخِرَةِ بقَولِهم: لا بَعْثَ ولا حِسابَ] هؤلاءِ القُرناءُ حَسَّنوا لهم ما بين أيديهم مِنْ أمْرِ الدُّنيا، وقالوا لهم: اتَّبِعوا الشَّهواتِ، كَيِّفوا كما شِئْتُمْ، أتْرِفوا كما شئتم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ﴾ [الواقعة: ٤٥] ومَنُّوهم وما خَلْفَهم، أي: ما أمامهم؛ لأنَّ الخَلْفَ والوَراءَ قد يُرادُ به الأَمامُ كما في قولِه تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩] يعني: أَمامَهم.
إذن: زَيَّنوا لهم الآخِرَةَ أيضًا بأنْ مَنُّوهم بأَحَدِ أَمْرينِ: إمَّا بالنَّجاةِ منَ العَذابِ في قولهِم: لا بَعْثَ ولا حِسابَ، وإمَّا أن يَنْتَقِلوا إلى خَيرٍ من ذَلِكَ، ويقولوا: إِنَّ الَّذي أَتْرَفَنا في الدنيا سوف يُتْرِفُنا في الآخِرَةِ، كقول بعضهم: ﴿هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾ [فُصِّلَت: ٥٠]، وكقولِ صاحِبِ الجَنَّتينِ: ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ [الكهف: ٣٦]، فهكذا يُمَنِّي الشَّيطانُ أولياءَه يَقولُ: انبَسِطوا بالدُّنيا أَتْرِفوا أنفُسَكم، وفي الآخِرَةِ سوف تَنْتَقِلونَ إلى ما هو أَفْضَلُ، زَيَّنوا لهم ما بين أيديهم وما خَلْفَهم ومَنَّوا لهمُ الأمانِيَّ.
قال تعالى: ﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾ [فُصِّلَت: ٢٥]، حقَّ عليهم أي: وَجَبَ القولُ، قَولُ اللهِ ﵎، والقَولُ الَّذي حَقٌّ فَسَّرَه المفَسِّرُ ﵀ بقوله: [وهو ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ السجدة: ١٣]. وقيل: القَولُ: هو قولُه تَعالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٩٦ - ٩٧].
ونَقولُ -كما أَسْلَفنا في القاعِدَةِ في التَّفسيرِ- أنَّ الآيَةَ إذا كانت تَحتَمِلُ مَعنيينِ لا مُرَجِّحَ لأَحَدِهِما على الآخَرِ، ولا مُنافاةَ بينهما، فإنَّها تُحمَلُ على المَعنَيينِ جميعًا،
1 / 135