وفيهم نزلت: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ [المائدة: ٨٣]، والحبشة قد أسلم فيها نَصارَى، مِثل النجاشي؛ فإنه أسلَمَ، ودخل دِينَ الإِسْلام، وكان قَبْلَ ذلك عَلَى دِين النصرانية، ووصفه النَّبيّ ﵊ بأنَّه أخٌ للصحابة، وأنَّه رجُل صالح (^١).
فالمهم: أنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الكتَابَ مِنَ اليَهود والنصارى قومٌ آمنُوا بالقُرْآن أيضًا.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ اليهودَ والنصارى فيهم مَن آمَنَ بالقُرْآن؛ لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ حُكم الفَرْدِ قد يتناول جِنْسَه، ومعناه: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ﴾، لو نظرنا إليها وجدنا أَنَّهَا عَامَّة تشمل كُلَّ الَّذينَ أُوتوا الكتَابَ، وليس كُلُّ الَّذينَ أُوتوا الكتَابَ مِن قَبْلُ آمَنُوا بالقُرْآن، فهناك نصارى ظَلُّوا على نَصْرَانِيَّتِهم، ويَهُودٌ ظَلُّوا على يَهُودِيَّتِهم، ولكن مِن هؤُلاءِ مَن آمَنَ، كَعَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلامٍ والنَّجَاشي.
فسببُ إيمانِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلَام عِلمُه بما في التَّورَاة مِن صفات الرَّسُول ﷺ، وهذا العِلْمُ يَشمل جميعَ اليهود.
إذن: فهُنا أعطينا الجِنس حُكْمَ الفَرد؛ للعِلَّة التي تَشْمَلُه وغيرَه.
فقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ لا يعني أنهم كُلَّهُم
(^١) كما حديث جَابِرٍ ﵁ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ: "مَاتَ اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ". أخرجه البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب موت النجاشي، رقم (٣٨٧٧).