12

Tafsir Al-Uthaymeen: Stories

تفسير العثيمين: القصص

Maison d'édition

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٣٦ هـ

Lieu d'édition

المملكة العربية السعودية

Genres

وقد تبين لَنَا قَبْلَ ذَلِكَ فَسَادُ هَذَا المنهجِ، فَهُوَ مُخَالِفٌ للقرآن الكريم، يَقُولُ اللَّهُ ﷿: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [المؤمنون: ٧١]. قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ ﵀: "كُلَّمَا جَاءَنَا رَجُلٌ أَجْدَلُ مِنْ رَجُلٍ أَرَادَنَا أَنْ نَرُدَّ مَا جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" (^١). نعم، هَذَا أَمْرٌ لَا يَسْتَقِيمُ؛ فإثبات صِفَاتِ اللَّهِ بالطُّرق العقلية، وَنَفْيُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ؛ هُوَ فِي الحقِيقَةِ عُدوانٌ، وطريقٌ فاسِدٌ. ويمكننا أَنْ نَرُدَّ عليهم بأنَّنا نستطيع أَنْ نُثْبِتَ ما نَفَوْهُ بطريق العقل، كما أثبتوا هم ما أثبتوا بطريق العقل، بل بصورةٍ أَفْلَحَ وأَبْلَغَ. فظُهور صِفة الرَّحْمة فِي المَخْلُوقَاتِ أَبْلَغُ مِنْ ظُهُورِ صفة الإرادة، وَكَذَلِكَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ بالرِّزق، والإمداد، والإعداد، وَفِي جَمِيعِ مَا يَتَمَتَّعُون به، وَهَذَا ثَابِت لِكُلِّ إِنْسَانِ. أمَّا كونُ البَرْدِ بَرْدًا، والحَرِّ حَرًّا، فَهَذَا لَيْسَ دليلًا قويًّا عَلَى الْإِرَادَةِ، فَدَلالةُ مَا سَبَقَ عَلَى الْإِرَادَةِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ النِّعَم عَلَى الرَّحْمة بلا شك. أَيْضًا إِذَا نَظَرْنَا لِنَصْرِ اللَّه للطائعين، وفُقْدَانِه للعاصِين، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الحبِّ والكُره، فَلَوْلَا أَنَّهُ يُحِبُّ هَؤُلَاءِ مَا نَصَرَهُم، وَلَوْلَا أَنَّهُ يُبْغِضُ هَؤُلَاءِ مَا نَصَرَهُم، وهذا معروفٌ، حَتَّى إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا صَارَ يُبغض أَحَدًا مَا فما نَصَرَهُ، وَلَا أَحِبَّهُ. إذن: نَصْرُ هؤلاءِ، وإذلالُ هؤُلاءِ دَلَّ عَلَى إِثْبَاتِ المَحَبَّة والبُغض، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ ينكرون، ويقولون: الْعَقْلُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

(^١) الإبانة الكبرى، لابن بطة (٢/ ٥٠٧، رقم ٥٨٢).

1 / 16