باعتِبار عدَم الانتِفاع، لكنه أشَدّ باعتِبار تَولِّيه مُستكبِرًا.
ثُمَّ قال: [﴿كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ صَمَمًا] الوَقْر: الصمَم، كأن الصمَم يَسُدُّ الأذُن، فليس المعنى أنه -والعِياذُ باللَّه- لم يَسمَع الآياتِ، بل كأن أذُنه التي هي محَلُّ السَّمْع غير مُستَعِدَّة للسَّمْع فهو لم يَسمَع، وليس عنده آلة سَمْع، كأن في أُذُنيه وَقْرًا.
قال المُفَسِّر ﵀: [وجُمْلَتا التَّشبيه حالان من ضمير ﴿وَلَّى﴾، أو الثانية بَيانٌ للأُولى] إنما هُما في محَلِّ نَصْب على الحالى من فاعِل ﴿وَلَّى﴾، يَعنِي: ولَّى مُستَكبِرًا، مُشابِهًا لمَن لا يَسمَع، ومُشابِهًا لمَن في أذُنَيْه وَقْر.
وهذا في غاية ما يَكون من بيان حال هذا الرجُلِ في إعراضه، وعدَم انتِفاعه بآيات اللَّه تعالى.
قوله ﷾: ﴿فَبَشِّرْهُ﴾ البُشرى إذا أُطلِقت فهي بخير، وإن قُيِّدت بالخَيْر صار ذلك تَأكيدًا، كما قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥]، وإن قُيِّدت بالشَّرِّ فهي للشَّرِّ.
فالبُشرَى إمَّا أن تُطلَق أو تُقيَّد:
فإذا أُطلِقت فهي بالخير، مثالُه: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤]، ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾ [الزمر: ١٧].
وإن قُيِّدت بالخير فهي خير، ويَكون ذلك تَأكيدًا مثل: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ﴾.
وإن قُيِّدت بالشَّرِّ فهي للشَّرِّ، لكن هل قيلت فيه على سبيل الحقيقة، أو على سبيل التَّهكُّم؟