Tafsir Al-Uthaymeen : De Juz’ Qad Sami’ et Tabarak - Éditions Al-Tabari
تفسير العثيمين: من جزء قد سمع وتبارك - ط مكتبة الطبري
Maison d'édition
مجمع البحرين
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
Lieu d'édition
مكتبة الطبري (مصر)
Genres
الأعيُن، ويسرُّ النفس.
وإلى أين يكون هذا الحُلِيُّ؛ هل هو في جزءٍ من الذراع، أو في جميع الذراع؟
يكون في جميع الذراع، لقول النبي ﷺ: "تَبْلُغُ الحِلْيَةُ مِنَ المُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الوُضُوءُ"، والوضوء يبلُغ إلى المرافق، وعلى هذا يكون الذراع كله مملوءًا بالحلية، نسأل اللّه تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يُحلَّون بهذا الحُلِيِّ.
ثم قال اللّه تعالى لنبيه محمد ﷺ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا﴾ [الإنسان: ٢٣] القرآن هو كلام اللّه الذي بين أيدينا في المصاحف، مكتوبٌ في المصاحف، محفوظٌ في الصدور، وكلام اللّه مُنزَّل غير مخلوق؛ لأن اللّه تعالى ذكر في عدة آيات أنه أنزله على محمد ﷺ، فتارةً يقول: ﴿أَنزَلْنَاهُ﴾، وتارةً يقول: ﴿نَزَّلْنَا﴾؛ وذلك لأن القرآن ينزل إلى الرسول ﷺ شيئًا فشيئًا، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾، فالتعبير بـ (أنزل) باعتباره كاملًا، والتعبير بـ (نزَّل) باعتباره مُجزَّأً، ينزل شيئًا فشيئًا، هنا يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا﴾ يعني: شيئًا فشيئًا ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾، فلما ذكر اللّه منته عليه بتنزيل القرآن أمره أن يصبر لحكم اللّه، وقد يرِد على الإنسان سؤال في نفسه؛ حيث يقول: من المُتوقَّع أنه لما قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا﴾ أن يقول: فاشكر نعمة اللّه؛ لأن تنزيل القرآن عليه نعمة، فلماذا قال اللّه ﷿: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾؟
نقول: لأن تنزيل القرآن عليه عهدٌ وميثاقٌ أن يُبلِّغه إلى الأمة، وتبليغُه إلى الأمة يحتاج إلى صبر ومعاناة؛ لأنه سوف يُكذَّب، وسوف يُؤذَى على هذا الوحي، فيحتاج إلى صبر، ولهذا نقول لكل من منَّ اللّه عليه بعلمٍ: اصبر على ما أعطاك اللّه من العلم، ابذُل هذا العلم تعليمًا، ودعوة، وخُلُقًا، وأدبًا، وعبادة؛ لأن اللّه لم يُحمِّلك هذا العلم إلا سيسألك عنه يوم القيامة.
وقوله: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ هل المراد: الحكم الكوني، أو القدري أو هما جميعًا؟ هما جميعًا، اصبر لحكم اللّه الشرعي؛ حيث ألزمه اللّه بأن يُبلِّغ ما أُنزِل إليه من ربه، وللحكم الكوني إذا جرى عليه من عباد الله ما يكره، ومن المعلوم أن النبي ﷺ جرى عليه من الأذية ما وصل بالصبر عليه إلى قمة الصابرين، فقد أُوذِي عنه ﵊ إيذاءً شديدًا، حتى إنه كان ذات يومٍ ساجدًا تحت الكعبة، فجاء ملأُ قريش، بسلا جزور - يعني: فرْثَها وما في بطنها -، جاءوا به فوضعوه عليه وهو ساجد ﵊، كل هذا إغاظةً له، وإلا فمن المعلوم أن قُريشًا
14 / 358