Tafsir al-Uthaymeen: Az-Zukhruf
تفسير العثيمين: الزخرف
Maison d'édition
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٦ هـ
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
قابَلَهُم قَوم آخَرُون، وهُمُ الجَبْرِيَّةُ، وقَالُوا: كُلُّ شَيءٍ وَاقِع فهُوَ بمَشيئَةِ اللهِ، والإنسَانُ مُجبَرٌ عَلَى العَمَلِ ولَيسَ مُختَارًا، وهَذَا أيضًا قَولٌ باطِلٌ، وكلّ يَعْرِفُ الفَرْقَ بَينَ الفِعْلِ الاختِيَاريِّ وبينَ الفِعْلِ الاضْطِرَارِيِّ، فكُلّ يعرِفُ الفَرْقَ بَينَ أَنْ يَنْزِلَ الإنسَانُ مِنَ السَّطْحِ مِنْ عَلَى الدَّرَجِ شيئًا فشَيئًا وبَينَ أَنْ يَتَدَحْرَجَ بدُونِ اختِيَارٍ مِنْهُ.
وهُمْ -أَعْنِي: الجَبريَّةَ- يَقُوُلونَ: إنَّ الكُلَّ سَوَاءٌ، يَنْزِلُ باختِيَارٍ، أَوْ يَتدحْرَجُ بغَيرِ اختيَارٍ، الكُلُّ سَوَاءٌ، ومَا حرَكَةُ الإنسَانِ إلَّا كحَرَكَةِ السَّعفةِ فِي الرِّيحِ.
وهَذَا أيضًا قَوْلٌ بَاطِلٌ، ولَا يُمكِنُ أَنْ تَقُومَ بِهِ أُمَّة، ولَا أَنْ تَقُومَ بِهِ مِلَّة، ولَا أَنْ تَقُومَ بِهِ دُنْيَا ولَا أُخْرَى، وإلَّا لقُلْنَا: كُلُّ إنسَانٍ يَتَسَلَّط عَلَى آخَرَ، ثُمَّ يَقُولُ: هَذَا بقَضَاءِ اللهِ وقدَرِهِ، مَا أَمْلِكُ، هَلْ يَرضَى هؤُلَاءِ أَنْ يَأتِيَ شَخْصٌ ويَرُضُّهم رَضًّا، ثُمَّ يقُولُ: هَذَا بقَدَرِ اللهِ؟
الجَوابُ: لَا أحَدَ يَرضَى بذَلِكَ، ولمَّا أَمَرَ عُمرُ بْنُ الخطَّابِ ﵁ أَنْ تُقطَعَ يَدُ السَّارِقِ قَال: مَهْلًا يَا أمِيرَ المُؤمِنِينَ، واللهِ مَا سرَقْتُ إلَّا بقَدَرِ اللهِ. قَال: ونحْنُ لَا نَقْطَعُ يَدَكَ إلا بقَدَرِ اللهِ.
فكُلُّ إنسَانٍ يَعْرِفُ أن الإنسَانَ مُختَارٌ، ولَهُ إرادَةٌ تَامَّةٌ بِهَا يَفْعَلُ، لَوْ أننا قُلْنَا بقَوْلِ الجَبرَّيةِ لكَانَتْ عُقُوبةُ اللهِ للمُجرِمِينَ ظُلْمًا؛ لأَنَّهُم سيَقُوُلون: يَا رَبَّنا فعَلْنا هَذَا بغَيرِ اختِيَارِنَا، والَّذِين يَقُولُون: إنَّ اللهَ لَا عَلَاقَةَ لَهُ بفِعْلِ العَبْدِ فهُمْ أيضًا مخطِئُون.
ولهذَا يُسمَّى هؤُلَاءِ القدَريَّةُ مَجُوسَ هَذه الأُمَّةِ؛ لأَنَّهُم جَعَلُوا للحوَادِثِ خالِقَينِ، حوَادِثُ بشَرِيَّة مِنْ خَلْقِ البشَرِ، وحوَادِثُ إلهيَّة مِنْ خَلْقِ اللهِ ﷿، فسُمُّوا مَجُوسَ هذ الأُمَّةِ؛ لأنَّ المَجُوسَ يَقُولُونَ: إنَّ الحوادِثَ لَهَا خَالِقَانِ: الشَّرُّ تَخْلُقه الظُّلمَةُ،
1 / 94