Tafsir al-Uthaymeen: Az-Zukhruf
تفسير العثيمين: الزخرف
Maison d'édition
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٣٦ هـ
Lieu d'édition
المملكة العربية السعودية
Genres
وآيةٌ كما فِي قَوْلِ اللهِ ﵎: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ [الطور: ٣٣ - ٣٤] أَي: أَيِّ حَدِيثٍ.
وقَد عجَزَ العَرَبُ عَنْ ذَلِكَ، أَي: عَنْ أَنْ يَأتُوا بشَيءٍ مِثْل القُرآنِ، مَعَ أنَّهُم قَدْ تَوفَّرتْ لهُمْ أسَاليبُ البلَاغةِ والفَصاحَةِ، وصَارَ الدَّاعي لمُعارَضةِ القُرآنِ عندَهُم قَويًّا، فَلمَّا كَانَ الدَّاعي قَويًّا ولم يُوجَدْ مَانِع عُلِمَ أنَّهُم لَا يَستَطِيعُون أَنْ يَأَتُوا بمِثْلِهِ.
ولذَلِكَ تَجِدُ القُرآنَ الكرِيمَ لَا يَمَلُّ الإِنْسانُ مِنْ قِراءَتِه، ولَا مِنْ تَكرارِهِ، وغيرُهُ يُمَلُّ مِنْ تَكرارِهِ، وَيمجُّهُ السَّمْعُ، ويَثْقُلُ عَلَى اللِّسانِ، لكِنَّ القُرآنَ الكَرِيمَ لا يَخْلَقُ مَعَ التَّردَادِ أبدًا، تَجِدُه طَرِيًّا كُلَّما قرَأْتَهُ.
ثُمَّ إِذَا كَانَ اللهُ ﷾ قَدْ فتَحَ علَيكَ، وكَانَ عنْدَك نِيَّةٌ وقصْدٌ صَحِيحٌ في معرِفَةِ المَعْنَى، فكُلّ قِراءَةٍ تَقرَؤُها يَتَّضِحُ لَكَ بهَا معْنًى غَيرُ الأوَّل، وجرِّبْ تَجِدْ، فهَذَا الشَّيءُ معلُومٌ، لكِنَّ هَذَا لِمَنْ عَلِمَ اللهُ منْهُ صِدْقَ الطَّلَبِ في مَعرِفَةِ المَعْنَى، أمَّا مَنْ أَعْرَض عَنْ ذَلِكَ فإِنَّه لَا يَستَفِيدُ، لكِنْ مَن عَلِمَ اللهُ منْهُ صِدْقَ الطَّلَبِ فإِنَّ اللهَ يَفْتَحُ علَيهِ كُلَّما قرَأَ القُرآنَ مِنَ المَعانِي مَا لَمْ يَكُنْ سَابِقًا.
٦ - القُرْآنُ الكَرِيمُ أنزَلَهُ اللهُ ﷿ وجعَلَهُ مُبَارَكًا:
مُبَارَكًا في تَأثيرِهِ؛ مُبَارَكًا في ثَوابِهِ، مُبارَكًا في آثَارِهِ:
مُبَارَكًا في تَأثيرِهِ، يَعنِي: أنَّهُ يُؤثِّرُ عَلَى القَلْبِ، ويُليِّنُ القَلْبَ، ويُكسِبُه خَشْيةَ اللهِ ﷾؛ لأَنَّ اللهَ ﷾ قَال: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر: ٢١] سُبْحانَ اللهِ! فهذا وهُوَ جبَلُ حَصىً يَكُون خَاشِعًا ذَلِيلًا وَيتَصَدَّع مِنْ خَشيَةِ اللهِ ﷿، فمَا بالُكُم بالقَلْبِ؟ ! لَوْ كَانَ القَلْبُ حَيًّا
1 / 13