112

Tafsir al-Uthaymeen: Az-Zukhruf

تفسير العثيمين: الزخرف

Maison d'édition

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٣٦ هـ

Lieu d'édition

المملكة العربية السعودية

Genres

وقَولُه: ﴿مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ أَي: مِنَ الَّذِي تَعبُدُونَهُ.
وقولُه: ﴿إلا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ والمُرَادُ بالَّذِي يَعبُدُونَه: الأصنَامُ الَّتِي يَنحِتُونَها هُمْ بأيدِيهِمْ، ثُمَّ يَعبُدُونَها؛ ولهَذَا قَال لهُمْ إبراهِيمُ ﵇ فِي جُملَةِ مُنَاظَرَاتِهِ: ﴿قَال أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٥ - ٩٦]، فكَيفَ تَعبُدُونَها وهِيَ مخلُوقَةٌ؟ ! كَيفَ تَعبُدُونَها وأنْتُمُ الَّذِين تَنحِتُونَها؟ !
وقَولُهُ: ﴿إلا الَّذِي فَطَرَنِي﴾: ﴿إلا﴾ أدَاةُ استِثْنَاءٍ، لكِنْ هَلْ الاستثْنَاءُ هُنَا مُنقطِعٌ أَوْ هُوَ مُتَّصِلٌ؟
الجَوابُ: إِنْ كَانُوا يَعبُدُونَ اللهَ وغيرَهُ فالاستِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وإنْ كَانُوا لَا يَعبُدونَ اللهَ فالاستِثْنَاءُ مُنقطِعٌ، والاستِثْنَاءُ المُنقَطِعُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ مَا بعْدَ (إلَّا) مِنْ غَيرِ جِنْسِ الَّذِي قبلَهَا، ومثّل لَهُ النَّحويُّون بقَولِهمْ: (جَاءَ القَومُ إلَّا حمَارًا). والحمَارُ مِنْ غَيرِ جِنْسِ القَومِ، فيَكُونُ الاستِثْنَاءُ مُنقطِعًا، أمَّا إِذَا قِيلَ: (جَاءَ القَومُ إلَّا زيدًا). فالاستِثْنَاءُ هُنَا مُتَّصِلٌ؛ لأَنَّ زيدًا مِنْ جِنْسِ المُستثنَى مِنْهُ.
ونُطبِّقُ مَا هُنا عَلَى القَاعِدَةِ، فقَولُه: ﴿إلا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ إِنْ كَانُوا يَعبُدُونَ اللهَ وغَيرَهُ فالاستِثْنَاءُ هُنَا مُتَّصِلٌ، وإِنْ كَانُوا لَا يَعبُدُونَ اللهَ فالاستِثْنَاءُ مُنقطِعٌ.
وقَولُهُ: ﴿إلا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ لَمْ يَقُلْ: إلَّا اللهُ. مِنْ أَجْلِ أَنْ يُقِيمَ الدَّليلَ عَلَى أنَّهُ لَا يَستحِقُّ العِبَادَةَ إلَّا هُوَ، فالَّذِي فطَرَكَ أوَّلَ مَرَّةٍ وأَوْجَدَك مِنَ العَدَمِ هُوَ الَّذِي يَستَحِقُّ أَنْ يُعبَدَ؛ لأنَّهُ الَّذِي خَلَقَكَ، يَعْنِي: لَوْ قَال قَائِلٌ: لمَاذَا لَمْ يَقُلْ: إلَّا اللهُ؟
فالجَوابُ: ليُقِيمَ الحُجَّة عَلَى أنَّه لَا يَنبَغِي أَنْ يُعبَدَ إلَّا اللهُ ﷿، وهَذَا كقَولِهِ تعَالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١]، ومَعلُوم أن الرَّبَّ خَالِقٌ،

1 / 116