قولُهُ: ﴿وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا﴾ معلومٌ أنَّ اللهَ تعالى واحدٌ، فلماذا قال: إنَّا؟
نقولُ: للتَّعظيمِ لإظهارِ العظمةِ والسُّلْطَةِ وقُوَّةِ المُلْكِ ﴿إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً﴾؛ يعني: أوَصْلَنَاها إليه، حتَّى كأنَّها طعامٌ ذاقَه لا يشكُّ فيه، وقولُهُ: ﴿مِنَّا﴾؛ لأنَّ كلَّ نعمةٍ بنا فإنَّها من اللهِ، كما قال ﷿: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النَّحلِ: ٥٣].
وقوله: ﴿مِنَّا رَحْمَةً﴾ يقولُ المفسِّرُ ﵀: [نعمةٌ كالغنى والصِّحَّةِ] والمثالُ هنا لا يعني الحصْرَ، لكنَّه مثال، الغنى نِعْمَةٌ، الصِّحَّةُ نعمةٌ، الأولادُ نعمةٌ، الأمْنُ نعمةٌ، نِعَمُ اللهِ لا تُحْصى، كما قال اللهُ ﷿: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النَّحلِ: ١٨]، إذن ما ذكره المفسِّرُ على سبيلِ التَّمثيلِ، والتَّمثيلُ لا يُعطي الحَصْرَ.
وقولُهُ: ﴿فَرِحَ بِهَا﴾ المرادُ بذلك: فَرَحُ البَطَرِ والأَشَرِ لا الفَرحُ بالنعمةِ مع اعتقادِه أنَّها من عندِ اللهِ، فإنَّ هذا مأمورٌ به أن يَفْرَحَ الإنسانُ بنِعَمِ اللهِ، وفي الحديثِ: "إنَّ اللهَ إذا أَنْعَمَ على عبْدِه نعمةً يُحِبُّ أن يرى أَثَرَ نِعْمَتِه عليه" (^١).
ومن آثارِ النِّعمةِ الفَرَحُ؛ فالإنسانُ إذا رزقه اللهُ مالًا فَرِحَ، إذا عافاه اللهُ بعد المرضِ فَرِحَ، إذا تَزَوَّجَ فَرِحَ، إذا وُلِدَ له فَرِحَ، ولكنَّ الفَرَحَ نوعان:
* فَرَحُ أَشَرٍ وبَطَرٍ، فهذا مذمومٌ.
* وفَرَحٌ بنِعمةِ اللهِ تعالى مع التزامِ شريعتِه، فهذا ممدوحٌ ولا بأسَ به.
(^١) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٤٣٨)، من حديث عمران بن الحصين ﵁. والترمذي: كتاب الأدب، باب ما جاء إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، رقم (٢٨١٩)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄.