50

Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum

تفسير العثيمين: الروم

Maison d'édition

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٣٦ هـ

Lieu d'édition

المملكة العربية السعودية

Genres

فهُم لا يظْلِمُونَ لِعَجْزِهم. وإِذَا قُلْتَ: إِنَّ الله لا يَظْلِمُ النّاسَ شيْئًا، فهُوَ لِكَمَالِ عدْلِه، فإنَّه قادِرٌ جَلَّ وَعَلَا أَنْ يظْلِمَ لكِنَّهُ ممتَنِع علَيْه لكَمَالِ صِفاتِهِ، وقَالت الجبرَّيةُ أنَّه لا يَظْلِمُ لعَدَمِ قابلِيَّته، واللهُ ﷾ يمْلِكُ جَمِيعَ الخلْقِ فتصَرُّفُه في مُلْكِه ليْسَ بظُلْمٍ، ولا يُتَصَوَّرُ الظَّلْمُ في حَقِّ الله لَا لِكَمَالِ عدْلِه، ولكِنْ لأنهُ غيْرُ قابِلٍ لهُ؛ وَهذا قَال ابْنُ القيِّم (^١): وَالظّلْمُ عِنْدَهُمُ المحُالُ لِذَاتِهِ ... ... ... ... ... ... ... فهُو مُحَالٌ لذَاتِه عنْدَهُمْ، لا يُتَصَوَّرُ الظّلْمُ في حقِّ الله، ولكِنَّ قولَهم هَذا لَا يُعَدُّ مدْحًا لله ﷿ ولا ثناءً ولا كمالًا، إِذْ نَفْيُ الظّلمِ لا يكونُ مدْحًا وكمَالًا إلا إِذا كانَ مَع القُدْرَة علَيْه وإمْكَانِه، لكِنْ منَعَه كمالُ عدلِه منْهُ. وقوْلُه تَعالَى: ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾: منْصوبَة عَلَى أنَّها مفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لـ ﴿يَظْلِمُونَ﴾، يعْنِي ولَكِنْ كانُوا يظْلِمُونَ أنْفُسَهُم، والمرادُ أنَّهم يظْلِمُونَ أنْفُسَهم بمعصِيَةِ الله، إمَّا بتَرْك واجِبٍ أوْ فِعْلِ مُحرَمٍ، وسيَأْتِينا إِنْ شَاءَ الله في الفوائِدِ مَا تدُلّ علَيْه هَذِهِ الجمْلَةُ. المُهِمُّ: أنَّ الله تَعالَى مَا ظَلَم هَؤُلاءِ المكَذِّبِينَ الَّذِين أهْلَكُهم، ولَكِنْ هُمُ الَّذِين ظلَمُوا أنْفُسَهم، فالجنَايَةُ منْهُم عَلَى أنْفُسِهم، واللهُ ﷿ عامَلَهُم بِكَمَالِ العدْلِ. من فوائد الآية الكريمة: الفائِدَتَانِ الأوْلَى والثانِيَةُ: تَوْبِيخُ مَنْ غَفِلوا عَنِ السّيْرِ في الأرْضِ سواء بأبْدَانِهم أوْ بقُلُوبِهم، لأَنَّ الاسْتِفْهام في قوْلِه ﷾: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا﴾ للتَّوبيخِ، ويتفَرَّعُ عَلَى ذَلِك الحثُّ عَلَى السّيْرِ في الأرْضِ، ومن السّيْرِ في الأرْضِ بالقلوب مراجَعَةُ كُتُبِ

(^١) الكافية الشّافية في الانتصار للفرقة النّاجية - القصيدة النّونية (ص: ٦٣).

1 / 56