160

Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum

تفسير العثيمين: الروم

Maison d'édition

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Édition

الأولى

Année de publication

١٤٣٦ هـ

Lieu d'édition

المملكة العربية السعودية

Genres

لأَنهُ يسْتَلْزِمُ تكْذِيبَ الله ﷿، كَما ثَبَتَ في الحدِيثِ القُدسيِّ أنَّ تَكْذِيبَ الله: أنَّ الله تَعالَى لَنْ يُعِيدَه كَما بَدَأَه (^١)، وقَدْ سَبق ذِكْرُه فيَكُون المُرادُ بالظُّلمِ هُنا الإشْراكُ وغيْرُه ممَّا ظلَمُوا فِيه أنْفُسَهُم.
وقوْله تَعالَى: ﴿أَهْوَاءَهُمْ﴾: جَمْعُ هوًى، والهَوَى في الأصْلِ المَيْلُ، ثمَّ أنَّه لا يُطْلَقُ في الغالِب إِلَّا عَلَى الهَوى المَذْمُومِ، فيُقالُ: اتَّبع هَواهُ دُون هُدَاه، وقَدْ يأْتِي لِلْهَوى المحْمُودِ كَما في الحدِيث، وَإِن كَان فِيه ضعْفٌ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لمَا جِئْتُ بِهِ" (^٢)، فهُنا الهَوى التَّابع لما جَاءَ بِه الرَّسولُ ﵊ لا شكَّ أنَّه هوًى محْمُودٌ.
وقوْله تَعالَى: ﴿أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾: يعْنِي أنَّ هَذا الاتِّباعَ ليْس مبْنِيًّا عَلَى علْمٍ، بَل هُو مبْنِيٌّ عَلَى الجهْل والضَّلالِ فيمَنْ كَانُوا جاهِلِينَ، وعلى الاسْتِهتارِ والعِنَادِ فيمَنْ كَانُوا مُعانِدِينَ، فالَّذِين اتَّبعُوا أهْواءَهم اتَّبَعُوها بِغَيْر علْمٍ إِذا كانُوا جَاهِلِينَ، فالأَمْر ظَاهِرٌ أنَّه لا علْمِ لهُمْ باتِّباعِ أهْوَائِهم.
وإِذا كانُوا مُعانِدِينَ، فهَلْ نقُولُ: إنَّهم اتَّبَعُوا أهواءَهُم بِغَيْر علْمٍ؟
الجوابُ: نعَمْ، نقُولُ إنَّهُم اتَّبعُوا أهواءَهُم بِغَيْر علْمٍ، لأَنَّ مَن اسْتكبر وعَانَد الحقَّ فإِنَّهُ كالجاهِل بِما يسْتَحِقُّ الرّبُّ ﷿، فهُو في الحَقِيقَةِ غيْرُ عَالمٍ، بَل الجاهِلُ خيْرٌ منْهُ.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: كيْفَ يصِحُّ نفْيُ العِلْم مَع وُجودِه؟
قُلْنَا: كَما يصِحُّ نفْيُ السَّمْع مَع وُجودِه، ونَفْيُ البَصر مَع وُجودِهِ لمَنْ لَمْ ينتفِعْ بِه،

(^١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب يقال: لا ينون (أحد) أي واحد، رقم (٤٩٧٤).
(^٢) ذكره الحكيم (٤/ ١٦٤)، وأخرجه الخطيب (٤/ ٣٦٨).

1 / 166