179

تفسير العثيمين: الشعراء

تفسير العثيمين: الشعراء

Maison d'édition

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٣٦ هـ

Lieu d'édition

المملكة العربية السعودية

Genres

وكيف نَجْمَعُ بينَ ما جاء في حديثِ الشَّفاعَةِ: "فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ" (^١)، وبين قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٥]، مع أنه أوَّل الرُّسُلِ؟
يقول المُفسِّرُ في الجَوابِ عن هذا: [بِتَكْذِيبِهِمْ لَهُ لِاشْتِرَاكِهِمْ - أي: المرسلين - فِي المَجِيءِ بِالتَّوْحِيدِ]؛ إذِ اشتركوا كلُّهم في المجيءِ بتوحيدِ الله ﷿ والقيام بطاعتِه، فصاروا جنسًا واحدًا، وتكذيبُ واحدٍ منَ الجنسِ تكذيبٌ للجميعِ؛ إذ إنهم لم يُكَذِّبوا نوحًا لأنه نوحٌ، لكن كذَّبُوه لأنه جاء بالتوحيدِ، فلو جاءَ كلُّ نبيٍّ بالتوحيدِ لَكَذَّبُوه، وعلى هذا فإذا جاءهم هُودٌ كذّبوه، إذ لا فرق، وإذا جاءهم صالحٌ كَذَّبُوه، وإذا جاءهم مُوسَى كذَّبوه، وإذا جاءهم محُمَّدٌ كذَّبوه؛ لأنَّهم كذَّبوا الجِنْسَ لا الشخصَ؛ لأنه أَتَى بما يُخالِفُ ما هم عليه فكذَّبوه، لذلك يكونونَ مكذِّبين لِجَمِيعِ الرُّسُلِ.
ولهذا نقولُ للنَّصارى الَّذينَ يَدَّعُونَ أنَّهم مُؤْمِنُونَ بِعِيسَى ﵊: إنكم كافرونَ به، مكذّبون له؛ لأنَّهم كذَّبوا محُمَّدًا ﷺ، لا سِيَّما وأن رسولهم عِيسى ﵊ بشَّرَهُم به كما حَكَى عنه ﷾ في قَوْلهِ: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦]، ولا شكَّ أنه لن يُبَشِّرَهُمْ بمَن ليسَ لهم.
أرأيتَ لو أنَّ مَولودًا لِفلانٍ وُلِد فهل آتي إليك وأقول: أَبْشِرْ بمولودِ فلانٍ وليس بينك وبينه ارتباطٌ؟ !

(^١) سبق تخريجه.

1 / 184