173

Tafsir Al-Uthaymeen: Al-Ankabut

تفسير العثيمين: العنكبوت

Maison d'édition

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٣٦ هـ

Lieu d'édition

المملكة العربية السعودية

Genres

وقوله: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ تَقَدَّمَ أن العقلَ ينْقَسِمُ إلى قسمين: عَقْلٌ يُرادُ به الإدراكُ، وعَقْلٌ يرادُ به الرُّشْدُ، والعَقْلُ الذي يُرادُ به الإدراكُ هو منَاطُ التَّكلِيفِ، ولذا يقولُ الفقهاء: مِنْ شروطِ هذه العبادة التَّمْيِيزِ والعَقْلِ.
وعقلُ الرُّشْدِ هو مناطُ المدْحِ والذَّمِّ، يعني: الذي يُمْدَحُ عليه الإنسان ويُذَمُّ، وبه يكونُ الإنسانُ حسنَ التصرفِ، بحيثُ يعْقِلُه ما معه مِنَ الإِدْرَاكِ عما يَضُرُّهُ إلى ما يَنْفَعُهُ، وهو المرادُ في هذه الآية: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، فالمرادُ بِهِ عَقْلُ الرُّشْد.
وكذلك العَقْلُ الذي يُذْكَرُ في القرآنِ غالبًا ما يرادُ به عَقْل الرُّشد؛ لكن العقلَ الذي ذُكِرَ في كلامِ أهلِ العلم فمُرادُهُم به عقْلُ الإدراكِ.
وقَال المُفَسِّر ﵀: [يَتَدَبَّرُونَ] في الحقيقة ليسَ تَفْسِيرًا مُطَابقًا لِلَفْظٍ؛ لأن التَّدَبُّرَ سابقٌ على العَقلِ، فالإنسانُ يتَدَبَّرُ أولًا ويعرفُ النافع من الضَّارِّ، ثم يَعْقلُ فيتَّبعُ ما ينْفَعُهُ ويدَعُ ما يَضُره.
قوله: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ مفهومُ الآية أنَّ من لا يَعْقِلون فإنهم لا ينتَفِعُونَ بالآيات ولا يتَّعِظُونَ بها، والآية إذا لم تَنْفَعْ فليست بآية لمن رآهَا وشاهدَهَا وسَمِعَ بها وبَلَغَتْهُ.
من فوائد الآية الكريمة:
الفَائِدةُ الأُولَى: حِكْمَةُ اللَّهِ بإِبقاءِ آثارِ الآياتِ؛ لقولِهِ: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا﴾.
الفَائِدةُ الثَّانِية: أنه لا ينْتَفِعُ بالآيات إلا ذَوُو العُقولِ؛ لقولِهِ: ﴿يَعْقِلُونَ﴾.
الفَائِدةُ الثَّالِثة: فائدِةُ العَقْلِ، فإذا أُوتِيَ الإنسانُ عَقْلًا فإن هذا من نِعْمَةِ اللَّه عليه؛ لقولِهِ: ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، فصاحبُ العَقْلِ ينتَفِعُ بالآيات التي تركَهَا اللَّه ﷿.

1 / 177