مع أن إبراهيمَ أقربُ مذكورٍ.
قوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ قدَّمَ الجارَّ والمجرورَ، أي: قدَّمَ الظرفَ على المظْروفِ -وهو النبوة والكتاب- إشارةً إلى الحَصْرِ، ولهذا قال أهل العلمُ: ما مِنْ نَبِيٍّ بعدَ إبراهيم إلا وهو مِن ذُرَّية إبراهيمَ ﵊، ولذلك يُكنَى إبراهيمُ ﵊ بأَبِي الأنبياء، ولذلك قال المُفَسِّر ﵀: [فكُلَّ الأنبياءِ بعدَ إبراهيمَ مِنْ ذُرِّيَتِهِ].
قوله: [﴿وَالْكِتَابَ﴾ بمَعنى الكُتُب؛ أي: التَّورَاةُ والإنْجيلُ والزَّبُورِ والفرقان]: فالكِتابُ مُفْردٌ يرادُ به الجِنْسُ، أي: التورَاةُ التي نَزَلتْ على مُوسى، والإنجيلُ الذي نَزلَ على عِيسَى، والزَّبُورُ الذي نزل على دَاودَ، والفُرقانُ الذي نَزل على مُحَمَّدٍ ﷺ.
قالَ ﵀: [﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ وَهُو الثَّناءُ الحسنُ في كُلِّ أهلِ الأدْيانِ]: قوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ﴾، (أتى): نَصَب مَفعولَين أحدهما الهاءُ، والمفعول الثاني أجرُهُ.
و(الأجْرُ): هو العِوَضُ، ومنه الأُجرةُ عِوضًا للعامِلِ عن عَملِهِ.
وقوله: ﴿أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ هل نقولُ كما قال المُفَسِّر ﵀: [هُوَ الثَّناءُ الحسَنُ في كلِّ الأدْيانِ]، أو نقول: هو أعَمُّ؟
الصوابُ: أنه أعَمُّ من ذلك، فيشَمَلُ قُرَّةَ عينِهِ بأولادِهِ وانتَشارَهُم وكثْرتَهُم، وكذلك مِنَ الثَّناءِ الحسَنِ أن كلَّ الأديانِ ينْتَمونَ إليه ويُريدُون أن يكونُوا مِنْ أوليائِهِ، ولهذا قال تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا﴾ كما ادَّعَتِ اليهودُ، ﴿وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾ كما ادَّعتِ النَّصَارَى، ﴿وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: ٦٧]،