أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين
[البقرة: 16]. إذن: هم الذين اختاروا، وهم الذين اشتروا الضلالة ودفعوا ثمنها من هدى الله، فكأنهم عقدوا صفقة خاسرة لأن هدى الله هو الذي يقودنا إلى الحياة الخالدة والنعيم الذي لا يزول. والحق سبحانه وتعالى يعطينا الصورة في قوله تعالى:
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم
[التوبة: 111]. إذن: فالمؤمنون باعوا لله سبحانه وتعالى أموالهم وأنفسهم، وكانوا صادقين في عهدهم، أما الكفار والمنافقون فقد باعوا هدى الله، واشتروا به ضلال الدنيا. فالحق سبحانه وتعالى ذكر لنا أول صفات الفاسقين أنهم لا عهد لهم. ليس بينهم وبين الناس فقط، ولكن لا عهد لهم مع الله أيضا، وكلما عاهدوا الله عهدا نقضوه، والله يحب الوفاء بالعهد. ولذلك يقول جل جلاله:
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا
[الإسراء: 34]. ويقول تعالى:
وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنآ أكثرهم لفاسقين
[الأعراف: 102]. ما هو العهد الموثق الذي أخذه الله على عباده فنقضوه؟ إنه الإيمان الأول. الإيمان الفطري الموجود في كل منا. فالله سبحانه وتعالى أخذ من البشر جميعا عهدا، فوفى به بعضهم ونقضه بعضهم. والله سبحانه وتعالى ذكر لنا في القرآن الكريم أن هناك عهدا موثقا بينه وبين ذرية آدم. فقال جل جلاله:
وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنآ أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين
[الأعراف: 172]. وهكذا أخذ الله عهدا على ذرية آدم بأن يؤمنوا به، وأشهدهم أنه ربهم.
Page inconnue