261

تفسير الشعراوي

تفسير الشعراوي

Genres

[البقرة:194]. وكان الحق يطمئنهم، فالذين صدوكم في ذي القعدة من ذلك العام ستقابلونهم وستدخلون في ذي القعدة من العام القادم. وخاف المسلمون إن جاءوا في العام المقبل أن تنقض قريش العهد وتقاتلهم، ونزل قول الحق: { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } [البقرة: 190]. وعندما نتأمل قوله تعالى: { وقاتلوا في سبيل الله } [البقرة: 190] فإننا نجد أن الحق سبحانه يؤكد على كلمة { في سبيل الله } [البقرة: 190] لأنه يريد أن يضع حدا لجبروت البشر، ولابد أن تكون نية القتال في سبيل الله لا أن يكون القتال بنية الاستعلاء والجبروت والطغيان فلا قتال من أجل الجاه، أو المال أو لضمان سوق اقتصادي، وإنما القتال لإعلاء كلمة الله، ونصرة دين الله، هذا هو غرض القتال في الإسلام. { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } [البقرة: 190] والحق ينهى عن الاعتداء، أي لا يقاتل مسلم من لم يقاتله ولا يعتدي. وهب أن قريشا هي التي قاتلت، ولكن أناسا كالنساء والصبيان والعجزة لم يقاتلوا المسلمين مع أنهم في جانب من قاتل، لذلك لا يجوز قتالهم، نعم على قدر الفعل يكون رد الفعل. لماذا؟ لأن في قتال النساء والعجزة اعتداء، وهو سبحانه لا يحب المعتدين. لكن قتال المؤمنين إنما يكون لرد العدوان، لا بداية عدوان. ويقول الحق من بعد ذلك: { واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل... }.

[2.191]

ونحن نسمع كلمة " ثقافة " ، وكلمة " ثقاف " ، والثقافة هي يسر التعلم، أو أن تلم بطرف من الأشياء المتعددة، وبذلك يصبح فلان مثقفا أي لديه كم من المعلومات، ويعرف بعض الشيء عن كل شيء، ثم يتخصص في فرع من فروع المعرفة فيعرف كل شيء عن شيء واحد. كل هذه المعاني مأخوذة من الأمور المحسة، والتثقيف عند العرب هو تقويم الغصن، فقد كان العرب يأخذون أغصان الشجر ليجعلوها رماحا وعصيا، والغصن قد يكون معوجا أو به نتوء، فكان العربي يثقفه، أي يزيل زوائده واعوجاجه، ثم يأتي بالثقاف وهو قطعة من الحديد المعقوف ليقوم بها المعوج من الأغصان كما يفعل عامل التسليح بحديد البناء. كأن المثقف هو الذي يعدل من شيء معوج في الكون فهو يعرف هذه وتلك، وأصبح ذا تقويم سليم. وهكذا نجد أن معاني اللغة وألفاظها مشتقة من المحسات التي أمامنا. وقوله: " ثقفتموهم " أي " وجدتموهم " ، فثقف الشيء أي وجده. والحق يقول:

فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم..

[الأنفال: 57]. أي " شردهم حيث تجدهم. ويقول الحق: { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } [البقرة: 191] أي لا تقولوا إنهم أخرجوكم من هنا، وإنما أخرجوهم من حيث أخرجوكم، أي من أي مكان أنتم فيه، وعند ذلك لن تكونوا معتدين. وقوله تعالى: { وأخرجوهم من حيث أخرجوكم } [البقرة: 191] يذكرنا بمنطق مشابه في آية أخرى منها قوله تعالى:

وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به..

[النحل: 126]. وقوله تعالى:

وجزآء سيئة سيئة مثلها..

[الشورى: 40]. وعندما نبحث في ثنايا هذه النصوص " وجزاء سيئة سيئة مثلها " قد يرد هذا الخاطر: أخذت حقي ممن أساء إلي، وانتقمت منه بعمل يماثل العمل الذي فعله معي، هل يقال: إنني فعلت سيئة؟ وحتى نفهم المسألة نقول: الحق سبحانه وتعالى يأتي في بعض الأحايين بلفظ " المشاكلة " وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحته، ومثل ذلك قوله:

ومكروا ومكر الله

Page inconnue