246

تفسير الشعراوي

تفسير الشعراوي

Genres

[البقرة: 219] يؤكد أن السؤال قد وقع بالفعل، ولكن قوله:

ويسألونك عن الجبال

[طه: 105]، فالسؤال هذا ستتعرض له، فكأن الله أجاب عن أسئلة وقعت بالفعل فقال: " قل " ، والسؤال الذي سيأتي من بعد ذلك جاء وجاءت إجابته ب " فقل " أي أعطاه جوابا مسبقا، إذن ففيه فرق بين جواب عن سؤال حدث، وبين جواب عن سؤال سوف يحدث، ليدلك على أن أحدا لن يفاجئ الله بسؤال،

ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا

[طه: 105]. لكن نحن الآن أمام آية جاء فيها سؤال وكانت الإجابة مباشرة: { وإذا سألك عبادي عني } [البقرة: 186]. فلم يقل: فقل: إني قريب لأن قوله: " قل " هو عملية تطيل القرب، ويريد الله أن يجعل القرب في الجواب عن السؤال بدون وساطة { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } [البقرة: 186]. لقد جعل الله الجواب منه لعباده مباشرة، وإن كان الذي سيبلغ الجواب هو رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه لها قصة: لقد سألوا رسول الله: أقريب ربك فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ لأن عادة البعيد أن ينادي، أما القريب فيناجي، ولكي يبين لهم القرب، حذف كلمة " قل " ، فجاء قول الحق: { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } [البقرة: 186] وما فائدة ذلك القرب؟ إن الحق يقول: { أجيب دعوة الداع إذا دعان } [البقرة: 186] ولكن ما الشروط اللازمة لذلك؟ لقد قال الحق: { وإذا سألك عبادي } [البقرة: 186] ونعرف أن فيه فرقا بين " عبيد " و " عباد " ، صحيح أن مفرد كل منهما " عبد " ، لكن هناك " عبيد " و " عباد " ، وكل من في الأرض عبيد الله، ولكن ليس كل من في الأرض عبادا لله، لماذا؟ لأن العبيد هم الذين يقهرون في الوجود كغيرهم بأشياء، وهناك من يختارون التمرد على الحق، لقد أخذوا اختيارهم تمردا، لكن العباد هم الذين اختاروا الانقياد لله في كل الأمور.

إنهم منقادون مع الجميع في أن واحدا لا يتحكم متى يولد، ولا متى يموت، ولا كيف يوجد، لكن العباد يمتازون بأن الأمر الذي جعل الله لهم فيه اختيارا قالوا: صحيح يا رب أنت جعلت لنا الاختيار، وقد اخترنا منهجك، ولم نترك هوانا ليحكم فينا، أنت قلت سبحانك: " افعل كذا " و " لا تفعل كذا " ونحن قبلنا التكليف منك يا رب. ولا يقول لك ربك: " افعل " إلا إذا كنت صالحا للفعل ولعدم الفعل. ولا يقول لك: " لا تفعل " إلا إذا كنت صالحا لهذه ولهذه. إذن فكلمة " افعل " و " لا تفعل " تدخل في الأمور الاختيارية، والحق قد قال: " افعل " و " لا تفعل " ثم ترك أشياء لا يقول لك فيها " افعل " و " لا تفعل " ، فتكون حرا في أن تفعلها أو لا تفعلها، اسمها " منطقة الاختيار المباح " ، فهناك اختيار قيد بالتكليف بافعل ولا تفعل، واختيار بقي لك أن تفعله أو لا تفعله ولا يترتب عليه ضرر فالذي أخذ الاختيار وقال: يا رب أنت وهبتني الاختيار، ولكنني تركت لك يا واهب الاختيار أن توجه هذا الاختيار كما تحب، أنا سأتنازل عن اختياري، وما تقول لي: " افعل " سأفعله، والذي تقول لي: " لا تفعله " لن أفعله. إذن فالعباد هم الذين أخذوا منطقة الاختيار، وسلموها لمن خلق فيهم الاختيار، وقالوا لله: وإن كنت مختارا إلا أنني أمنتك على نفسي. إن العباد هم الذين ردوا أمر الاختيار إلى من وهب الاختيار ويصفهم الحق بقوله:

وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما

[الفرقان: 63-64]. هؤلاء هم عباد الرحمن، ولذلك يقول الحق للشيطان في شأنهم:

إن عبادي ليس لك عليهم سلطان..

[الحجر: 42]. إذن فللشيطان سلطان على مطلق عبيد لأنه يدخل عليهم من باب الاختيار، ولم تأت كلمة " عبادي " لغير هؤلاء إلا حين تقوم الساعة، ويحاسب الحق الذين أضلوا العباد فيقول:

Page inconnue