Tafsir al-Qurʾan al-ʿazim
تفسير القرآن العظيم
Chercheur
محمد حسين شمس الدين
Maison d'édition
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
Numéro d'édition
الأولى - 1419 هـ
Genres
والقوة والتفويض إلى الله عز وجل، وهذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى: فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون [هود: 123] ، قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا [الملك: 29] ، رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا [المزمل: 9] وكذلك هذه الآية الكريمة إياك نعبد وإياك نستعين وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب وهو مناسبة لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى فلهذا قال إياك نعبد وإياك نستعين وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك وهو قادر عليه كما جاء في الصحيحين عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» «1» وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين قال الله مجدني عبدي، وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» «2» وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما إياك نعبد يعني إياك نوحد ونخاف ونرجو يا ربنا لا غيرك وإياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها «3» . وقال قتادة إياك نعبد وإياك نستعين يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أموركم. وإنما قدم إياك نعبد على وإياك نستعين لأن العبادة له هي المقصودة والاستعانة وسيلة إليها والاهتمام والحزم تقديم ما هو الأهم فالأهم والله أعلم. فإن قيل: فما معنى النون في قوله تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين فإن كانت للجمع فالداعي واحد وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام؟ وقد أجيب بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ولا سيما إن كان في جماعة، أو إمامهم فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها وتوسط لهم بخير، ومنهم من قال: يجوز أن تكون للتعظيم. قيل: إذا كنت داخل العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل إياك نعبد وإياك نستعين وإن كنت خارج العبادة فلا تقل نحن ولا فعلنا ولو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لاحتياج الجميع إلى الله عز وجل وفقرهم إليه. ومنهم من قال: إياك نعبد ألطف في التواضع من إياك عبدنا لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعله نفسه وحده أهلا
Page 49