168

Tafsir al-Baydawi

تفسير البيضاوى

Enquêteur

محمد عبد الرحمن المرعشلي

Maison d'édition

دار إحياء التراث العربي

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤١٨ هـ

Lieu d'édition

بيروت

الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ صفة للمتقين، أو للعباد، أو مدح منصوب أو مرفوع. وفي ترتيب السؤال على مجرد الإِيمان دليل على أنه كاف في استحقاق المغفرة أو الاستعداد لها.
[سورة آل عمران (٣): آية ١٧]
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧)
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ حصر لمقامات السالك على أحسن ترتيب، فإن معاملته مع الله تعالى إما توسل وإما طلب، والتوسل إما بالنفس وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل والصبر يشملهما، وإما بالبدن، وهو إما قولي وهو الصدق وإما فعلي وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة، وإما بالمال وهو الإِنفاق في سبل الخير، وإما الطلب فبالاستغفار لأن المغفرة أعظم المطالب بل الجامع لها وتوسيط الواو بينهما للدلالة على استقلال كل واحد منها وكمالهم فيها أو لتغاير الموصوفين بها، وتخصيص الأسحار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإِجابة، لأن العبادة حينئذ أشق والنفس أصفى والروع أجمع للمجتهدين. قيل إنهم كانوا يصلون إلى السحر ثم يستغفرون ويدعون.
[سورة آل عمران (٣): آية ١٨]
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ بين وحدانيته بنصب الدلائل الدالة عليها وإنزال الآيات الناطقة بها.
وَالْمَلائِكَةُ بالإِقرار. وَأُولُوا الْعِلْمِ بالإِيمان بها والاحتجاج عليها، شبه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشاهد. قائِمًا بِالْقِسْطِ مقيمًا للعدل في قسمه وحكمه وانتصابه على الحال من الله، وإنما جاز إفراده بها ولم يجز جاء زيد وعمرو راكبًا لعدم اللبس كقوله تعالى: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً. أو من هو والعامل فيها معنى الجملة أي تفرد قائمًا، أو أحقه لأنها حال مؤكدة، أو على المدح، أو الصفة للمنفي وفيه ضعف للفصل وهو مندرج في المشهود به إذا جعلته صفة، أو حالًا من الضمير. وقرئ «القائم بالقسط» على البدل عن هو أو الخبر لمحذوف. لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد والحكم به بعد إقامة الحجة وليبني عليه قوله: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فيعلم أنه الموصوف بهما، وقدم العزيز لتقديم العلم بقدرته على العلم بحكمته، ورفعهما على البدل من الضمير أو الصفة لفاعل شهد.
وقد روي في فضلها أنه ﵊ قال «يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله تعالى: «إن لعبدي هذا عندي عهدًا وأنا أحق من وفى بالعهد، ادخلوا عبدي الجنة»
. وهي دليل على فضل علم أصول الدين وشرف أهله.
[سورة آل عمران (٣): آية ١٩]
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩)
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ جملة مستأنفة مؤكدة للأولى أي لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام، وهو التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد ﷺ، وقرأ الكسائي بالفتح على أنه بدل من أنه بدل الكل أن فسر الإِسلام بالإِيمان، أو بما يتضمنه وبدل اشتمال إن فسر بالشريعة. وقرئ أنه بالكسر وأن بالفتح على وقوع الفعل على الثاني، واعتراض ما بينهما أو إجراء شهد مجرى قال تارة وعلم أخرى لتضمنه معناهما.
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من اليهود والنصارى، أو من أرباب الكتب المتقدمة في دين الإِسلام فقال قوم إنه حق وقال قوم إنه مخصوص بالعرب ونفاه آخرون مطلقًا، أو في التوحيد فثلثت النصارى وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. وقيل هم قوم موسى اختلفوا بعده. وقيل هم النصارى اختلفوا في أمر عيسى عليه

2 / 9