160

Tafsir al-Baghawi - Revival of Heritage

تفسير البغوي - إحياء التراث

Enquêteur

عبد الرزاق المهدي

Maison d'édition

دار إحياء التراث العربي

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٢٠ هـ

Lieu d'édition

بيروت

Genres

مَكَّةَ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَكَانَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَيَّامِ الطُّوفَانِ فَرَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ ملك ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، وَبَعَثَ جِبْرِيلَ ﵇ حَتَّى خَبَّأَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ صِيَانَةً لَهُ مِنَ الْغَرَقِ، فَكَانَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ خَالِيًا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ إِنَّ الله تعالى أمر إبراهيم بعد ما وُلِدَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ بِبِنَاءِ بَيْتٍ يُذْكَرُ فِيهِ، فَسَأَلَ اللَّهَ ﷿ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَوْضِعَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ السِّكِّينَةَ لِتَدُلَّهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، وَهِيَ رِيحٌ خَجُوجٌ [١] لَهَا رَأْسَانِ شِبْهَ الْحَيَّةِ، فَأُمِرَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يَبْنِيَ حَيْثُ تَسْتَقِرُّ السِّكِّينَةُ، فَتَبِعَهَا إِبْرَاهِيمُ حَتَّى أتيا مكة، فتطوّقت السكينة على موضع البيت، كتطوّق الجحفة. هَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ، وَقَالَ ابن عباس [٢]: بعث الله سَحَابَةً عَلَى قَدْرِ الْكَعْبَةِ فَجَعَلَتْ تَسِيرُ وَإِبْرَاهِيمُ يَمْشِي فِي ظِلِّهَا إِلَى أَنْ وَافَقَ مَكَّةَ، وَوَقَفَتْ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، فَنُودِيَ مِنْهَا [يا] [٣] إبراهيم أن ابن على [قدر] [٤] ظِلِّهَا لَا تَزِدْ وَلَا تَنْقُصْ، وَقِيلَ: أَرْسَلَ اللَّهُ جِبْرِيلَ لِيَدُلَّهُ على موضع البيت، فذلك قوله تَعَالَى: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ [الحج: ٢٦]، فَبَنَى إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ الْبَيْتَ، فَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِيهِ وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحَجَرَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ، يَعْنِي أُسُسَهُ، وَاحِدَتُهَا:
قَاعِدَةٌ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: جُدُرُ الْبَيْتِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا بُنِيَ الْبَيْتُ مِنْ خمسة أجبل طور سينا وَطُورِ زَيْتَا وَلُبْنَانَ وَهُوَ جَبَلٌ بِالشَّامِ وَالْجُودِيِّ وَهُوَ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ، وَبَنَيَا قَوَاعِدَهُ مِنْ حِرَاءَ وَهُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ، الْأَسْوَدِ، قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ: ائْتِنِي بِحَجَرٍ حَسَنٍ يَكُونُ لِلنَّاسِ عَلَمًا فَأَتَاهُ بِحَجَرٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا، فَمَضَى إِسْمَاعِيلُ يَطْلُبُهُ فَصَاحَ أَبُو قُبَيْسٍ: يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّ لَكَ عِنْدِي وَدِيعَةً فَخُذْهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فوضعه مكانه [الآن] [٥]، وَقِيلَ [٦]: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَنَى فِي السَّمَاءِ بَيْتًا وَهُوَ الْبَيْتُ المعمور، ويسمّى ضراح، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَبْنُوا الْكَعْبَةَ فِي الْأَرْضِ بِحِيَالِهِ عَلَى قَدْرِهِ وَمِثَالِهِ، وَقِيلَ [٧]: أَوَّلُ مَنْ بَنَى الْكَعْبَةَ آدَمُ، وَانْدَرَسَ زَمَنَ الطُّوفَانِ، ثُمَّ أَظْهَرَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ حَتَّى بناه، رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا، فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: وَيَقُولَانِ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا بِنَاءَنَا، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ، لِدُعَائِنَا الْعَلِيمُ: بنياتنا.
[سورة البقرة (٢): الآيات ١٢٨ الى ١٢٩]
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ: مُوَحِّدَيْنِ مُطِيعَيْنِ مُخْلِصَيْنِ خَاضِعَيْنِ لَكَ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا، أَيْ: أَوْلَادِنَا أُمَّةً: جَمَاعَةً، وَالْأُمَّةُ: أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ، مُسْلِمَةً لَكَ: خَاضِعَةً لَكَ، وَأَرِنا عَلِّمْنَا وَعَرِّفْنَا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ سَاكِنَةَ الرَّاءِ، وَأَبُو عَمْرٍو بِالِاخْتِلَاسِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْإِسْكَانِ فِي حم السَّجْدَةِ، وَأَصْلُهُ: أَرْئِنَا، فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ طَلَبًا للخفة، ونقلت حركته إِلَى الرَّاءِ، وَمَنْ سَكَّنَهَا قَالَ:
ذَهَبَتِ الْهَمْزَةُ فَذَهَبَتْ حَرَكَتُهَا، مَناسِكَنا: شَرَائِعَ دِينِنَا وَأَعْلَامَ حَجِّنَا، وَقِيلَ: مَوَاضِعَ حَجِّنَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَذَابِحَنَا، وَالنُّسُكُ: الذَّبِيحَةُ، وَقِيلَ: مُتَعَبَّدَاتِنَا، وَأَصْلُ النُّسُكِ: الْعِبَادَةُ، وَالنَّاسِكُ: الْعَابِدُ، فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُمَا فَبَعَثَ جِبْرِيلَ فَأَرَاهُمَا الْمَنَاسِكَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ عَرَفَاتٍ قَالَ: عَرَفْتَ يَا إِبْرَاهِيمُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسَمَّى الْوَقْتَ عَرَفَةَ وَالْمَوْضِعَ عَرَفَاتٍ. وَتُبْ عَلَيْنا، تَجَاوَزْ عَنَّا، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

(١) في المطبوع وحده «خجول» .
٢ انظر الهامش السابق.
٣ زيادة عن المخطوط.
٤ زيادة عن المخطوط.
٥ زيادة عن المخطوط.
٦ انظر الهامش السابق. [.....]
٧ انظر الهامش السابق.

1 / 167