118

Tafsir al-Baghawi - Revival of Heritage

تفسير البغوي - إحياء التراث

Chercheur

عبد الرزاق المهدي

Maison d'édition

دار إحياء التراث العربي

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٢٠ هـ

Lieu d'édition

بيروت

Genres

وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَبَحِيرَا الرَّاهِبِ وَوَفْدِ النَّجَاشِيِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ وتابعه، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالَّذِينَ هادُوا الَّذِينَ كَانُوا عَلَى دِينِ مُوسَى ﵇ وَلَمْ يُبَدِّلُوا، وَالنَّصارى الَّذِينَ كَانُوا عَلَى دِينِ عِيسَى ﵇ وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَمَاتُوا عَلَى ذَلِكَ.
قَالُوا: وَهَذَانِ الِاسْمَانِ لَزِمَاهُمْ زَمَنَ مُوسَى وَعِيسَى ﵉ حَيْثُ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ كَالْإِسْلَامِ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَالصَّابِئِينَ زَمَنَ اسْتِقَامَةِ أَمْرِهِمْ مَنْ آمَنَ، أي: مَاتَ مِنْهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ لِأَنَّ حقيقة الإيمان الموافاة، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ مُضْمَرًا، أَيْ: وَمَنْ آمَنَ بَعْدَكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمَذْكُورِينَ بِالْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّذِينَ آمَنُوا بِالْأَنْبِيَاءِ الْمَاضِينَ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِكَ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ اعْتَقَدُوا الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ بَعْدَ التَّبْدِيلِ، وَالصَّابِئُونَ بَعْضُ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ، مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر من هَذِهِ الْأَصْنَافُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، إنما ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّ مَنْ يَصْلُحُ [١] لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكِّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ: فِي الدُّنْيَا [٢] وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ: فِي الآخرة.
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ: عَهْدَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ، وهو الْجَبَلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: مَا مِنْ لُغَةٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ لُغَةٌ غَيْرُ لُغَةِ الْعَرَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُرْآنًا عَرَبِيًّا [يوسف: ٢]، وإنما هذا وأشباهه وفاق وقع [٣] بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَبَلًا مِنْ جِبَالِ فِلَسْطِينَ فَانْقَلَعَ مِنْ أَصْلِهِ حتى قام على رؤوسهم، وذلك أن اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ﵇، فَأَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ أَنْ يَقْبَلُوهَا وَيَعْمَلُوا بِأَحْكَامِهَا، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوهَا لِلْآصَارِ [٤] وَالْأَثْقَالِ الَّتِي هِيَ فِيهَا، وَكَانَتْ شَرِيعَةً ثَقِيلَةً، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ ﵇ فَقَلَعَ جَبَلًا عَلَى قَدْرِ عَسْكَرِهِمْ وَكَانَ فَرْسَخًا فِي فرسخ فرفعه فوق رؤوسهم مثل قَامَةِ الرَّجُلِ كَالظُّلَّةِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا التَّوْرَاةَ أَرْسَلْتُ هَذَا الْجَبَلَ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: رَفَعَ اللَّهُ فَوْقَ رؤوسهم الطُّورَ وَبَعَثَ نَارًا مِنْ قِبَلِ وجوههم وأتاهم البحر الملح مِنْ خَلْفِهِمْ، خُذُوا، أَيْ: قُلْنَا لَهُمْ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ: أَعْطَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ: بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ وَمُوَاظَبَةٍ، وَاذْكُرُوا: وادرسوا ما فِيهِ، وقيل: احفظوا وَاعْمَلُوا بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لِكَيْ تَنْجَوْا مِنَ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ فِي الْعُقْبَى، فَإِنَّ قَبِلْتُمْ وَإِلَّا رَضَخْتُكُمْ بِهَذَا الْجَبَلِ وَأَغْرَقْتُكُمْ فِي هَذَا الْبَحْرِ وَأَحْرَقْتُكُمْ بِهَذِهِ النَّارِ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنْ لَا مهرب لهم منها قَبِلُوا وَسَجَدُوا، وَجَعَلُوا يُلَاحِظُونَ الْجَبَلَ وهم سجود فصار سنة

(١) في المخطوط «تصلح» .
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) لفظ «وقع» ليس في المخطوط.
(٤) الآصار: جمع إصر، وهنا بمعنى: العهد والميثاق.

1 / 125