تفسير قوله تعالى: (قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين)
قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء:٥٢] أي: ملازمون لعبادتها، ومستديمون ومقيمون عليها ﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء:٥٣] وهكذا الإنسان الذي ليس عنده حجة يقول: إن أباه كان يفعل هذا الشيء.
فهم قالوا: ﴿وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء:٥٣] أي: فنحن نعمل مثل آبائنا، وكأنهم كانوا يظنون أن آباءهم أفضل منهم، فكانوا يعملون ما يعمله آباؤهم من غير تفكير.
﴿قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الأنبياء:٥٤]، أي: لا أنتم ولا آباؤكم على هدى، وكلكم في ضلال مبين، وفي خسران وجرم عظيم.
﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾ [الأنبياء:٥٥]، أي: هل هذا جد أم أنك تمزح معنا وتعلب؟ ﴿قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [الأنبياء:٥٦] ربكم الحقيقي المستحق للعبادة هو الذي خلق السماوات والأرض.
(الَّذِي فَطَرَهُنَّ): أي: أوجدهن على غير مثال سابق، وابتدأ خلقهن ولم يكنَّ قبل ذلك.
وفطر الشيء أي: ابتدع خلقه، والله ﷿ خلق السماوات والأرض من العدم، وبدأ خلقهن ﵎.
﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [الأنبياء:٥٦]، أي: أنا أشهد بقدرة الله سبحانه، وأنه رب السماوات والأرض، وأنه يستحق أن يعبد وحده.
﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ [الأنبياء:٥٧]، يعني أنه لم يكتف بالإنكار بلسانه، وإنما أنكر أيضًا بيده، ويقسم ﴿وَتَاللَّهِ﴾ [الأنبياء:٥٧]، وتاء القسم تختص بالله ﷿ وحده، ولا يوجد قسم بالتاء يكون لغير الله ﵎، فهي مختصة به وحده لا شريك له، وأما الواو فتدخل على الاسم الظاهر، والباء يقسم بها في الظاهر والمضمر.
قال الله سبحانه هنا على لسان إبراهيم: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ﴾ [الأنبياء:٥٧] يعني: لأمكرن ولأصنعن بهم شيئًا حتى أريكم أن هؤلاء ليسوا أهلًا لأن يعبدوا.
فقال: ﴿بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ [الأنبياء:٥٧]، أي: عندما تذهبون إلى العيد، فهناك سأتوجه إلى الأصنام وأكيد بها.
7 / 7