قال الشيخ ﵀: يقول للسائل عن الممدوح أله نظير؟ لا، أي لا نظير له ويقول للسائل: ولا لك نظير أيضا جلها في ظنك أن له نظيرا، وقد كرر أبو الطيب) لا (في قوله هكذا هكذا وإلا فلا لا، والكلام قد تم عند قوله) في سؤالك (فجاء) بلا (ثانية توكيدا ثم لم يرض بذلك حتى قال: ألا سائل لا، فإن كان أراد هذا الغرض فليس بالحسن، وأسهل منه أن يصرف إلى معنى آخر وذلك أنهم يقولون ما بفلان من الإضلال وتلإلال، فيجعلون الإلال كالإتباع وتابع الشيء في معناه أو قريبا منه، فكأنه على هذا الوجه قال ولا لك في سؤالك، فتم الكلام أي لا ضلال، فأما أن يكون أراد لا يضل أيها السائل ضلالا، أو يكون نفى الضلال عن الناس أن يظنوا بمن مدح هذا الظن.
يفارِقُ سَهْمُكَ الرَّجُلَ المُلاقِي ... فِراقَ القَوْسِ ما لاقَى الرّجالا
قال الشيخ: يقول إذا لقي سهمك رجلا نفذ فيه سريعا لفراقه القوس، أي أنه لا يثبت في الرجل، ولكنه يعبر الرجال شيئا فشيئا ما لقي رجلا.
ومن التي أولها:
في الخّدّ أنْ عَزَمَ الخَليِطُ رَحيلا ... مَطرٌ يَزيدُ بهِ الخُدُودُ بهِ الخُدُودُ مُحُولا
قال الشيخ: يقول إذا عزم الخليط رحيلا بكة المحب بكاء مثل المطر، إلا أنه لا ينبت العشب كغيره من الأمطار، والخدود يزيد محلها به، وقال بعض الشعراء ويقال إنه ليموت بن المزرع:
لَو يَنبتُ العُشبُ مِنْ دُموعٍ ... لكانَ في خَدَّيَ الرًّبيعُ
يا قمرًا غابَ عَن عَيانِي ... الله قُلْ لي متى الرُجوع
كمْ زَفَراتٍ وكمْ دمُوعٍ ... يا عَينُ هّذا هو الفَطِيعُ
أعْدَى الزَّمانَ سَخَاؤهُ فَسَخا بِهِ ... ولقدْ يكُونُ بهِ الزَّمانُ بَخيلا
قال ابن جني: أي تعلم الزمان من سخائه فأخرجه من العدم إلى الوجود، ولولا سخاؤه الذي أفاد منه لبخل على أهل الدنيا، فلم يظهره واستبقاه لنفسه، وفي هذا شيء يسأل عنه فيقال أنه في حال عدمه لم يكن له سخاء لأن السخاء لا يصح إلا في موجود، فكيف وصفه بالسخاء وهو معدوم؟ فالقول في هذا إن الزمان كأنه علم ما يكون فيه من السخاء إذا وجد، فكأنه استفاد منه ما تصور كونه فيه بعد وجوده، ولولا ما تخيله فيه لبقي أبدا بخيلا به والشيء إذا تحقق كونه لا محالة أجري عليه في حال عدمه كثير من الأوصاف التي يستحقها بعد وجوده، ألا ترى إلى قوله تعالى) إني أراني أعصر خمرا (.
وقال ابن فورجة: قد جود الشيخ أبو الفتح ﵀ فيما أتى به، غير أنه قد يمكن تفسيره على وجه أقرب من هذا يخرجه من هذا التبعيد، وهو أن يقال: مراده فسخا به علي، يريد اتصاله به وانضمامه إلى جنبته، يقول قد كان الزمان بذلك بخيلا علي فأعداه سخاء الممدوح فسخا به فوصلني إليه وهذا معنى واضح.
وتَظَنهُ مما يُزمجِرُ نَفْسهُ ... عنها لشِدَّةِ غَيْظِهِ مَشْغُولا
قال ابن جني: أي تظنه نفسه مشغولا عنها وقال الشيخ ﵀: الأجود أن يرفع نفسه لأنها فاعلة تظن أي الأسد تظنه نفسه مشغولا عنها باتصال الزمجرة لم تجر عادتها أن تتعدى إلى مفعول.
قال ابن فورجه:) نفسه (رفع على تأويلين أحدهما: أن تكون فاعلة يزمجر: والثاني: أن تكون فاعلة تظنه، يريد تظنه نفسه مشغولا عنها ما يزمجر، وهذا هو الجيد، وعليه المعول، والأول يكون المراد وتظنه أنت مشغولا عن نفسه بشدة غيظه مما تزمجر نفسه، على أنا قرأناه يزمجر بالياء، وإذا كانت نفسه فاعلة يزمجر روي بالتاء ولم نروه.
سَمِعَ ابنُ عَمَّتِهِ به وبحالهِ ... فَنَجا يُهرْوِلُ مِنْكَ أمْسِ مهولا
قال الشيخ أبو العلاء ﵀: إنما قال الشاعر ابن عمته لأن سمع قول أبي زبيد في صفة الأسد.
أفرَّ عنه بني العَمَاتِ جُرأتُه ... فكُلّها خَاشِعٌ من ذَاكَ مُكَتنعُ
وليس لابن العمة هاهنا فضل على ابن الخالة.
وقال الاحسائي: قال ابن عمته ليدل على أنه أسد وأمه لبؤة، لأن السباع يلقح بعضها بعضا إلا اللبوة لا تلقح إلا من الأسد، والأسد الذكر يلقح الإناث من غير جنسه، فإذا كان الأسد ابن عمته صح أنه ابن عمه لما ذكرناه، ويجوز أن يكون ابن عمه وأمه من غير الأسد مثل الضبع والببر والنمر والدب وغير ذلك فهذه كلها يلقحها الأسد.
ومن التي أولها: أرَى حُلَلًا مُطَوَّاةً حِسانًا قوله:
1 / 74