وقال الشيخ أبو العلاء: ادعى أن هؤلاء القوم يحسنون في الموت فكأنهم بدور تمامها في ليالي المحاق، والمعنى يحتمل وجهين، أحدهما: أن يكونوا في الوقت الذي يحذر فيه الموت أحسن ما يكونون في أيام الحياة، لأن وجوههم تحسن وتشرق إذا اصفرت وجوه الشجعان، والآخر: أنهم إذا لقوا الموت في الحرب حسن ذكرهم بين الناس، وحمدوهم على الصبر ولقاء الحمام.
قال ابن فورجة: يريد أن البدر وإن كان تمامه في كونه مستديرًا مجتمع النور فهو سائر إلى المحاق وآخر أمره إليه يصير، فما أراد بالتمام تمام البدر الذي يقال فيه تمه وتمامه بفتح التاء وكسرها. بل أراد تمام الأمر المفتوح بالتاء تقول تمام أمرها وآخر أحوالها إلى المحاق.
جاعِلٍ دِرْعَهُ مَنِيَّتَهُ إنْ ... لم يكُنُ دُونَها مِنَ العَارِ وَاقي
قال الشيخ: هذا معنى لطيف، والغرض فيه إن هذا الذمر لا يلبس درعًا، لأن العرب تفضل الذي يشهد الحرب حاسرًا على الذي يشهدها دارعًا، قال الشاعر:
فلم أرَ يَومًا كانَ أكثَر سالِبًا ... ومُسْتَلَبًا سِرْباَله لا يُناكِرُ
وأكَثر مِنّا ناشِئًا يَطلبُ العُلي ... يُجالدُ قِرنًا دارِعًا وهو حاسُرٍ
ويقال إن كثيرًا لما أنشد عبد الملك قوله فيه:
علي ابن أبي العاصي دِلاصُ حَصِينةُ ... أجادَ المُسَدَّي سَرْدَها وأَذَالَها
قال له عبد الملك: ما قال الأعشى أحسن مما قلت. يعني قوله:
وإذا تَجِيءُ كَتِيبَةُ ملمُوَمةُ ... شَهباءُ يَغشَى الدَارِعُونَ نَكالَها
كُنتَ المُقدَّمَ غيرَ لابسَ جُنَّةٍ ... بالسَّيْفِ تَضْربُ مُعْلمًا أْبطَالها
والذي أراد أبو الطيب أن هذا الفارس قد جعل منيته مثل الدرع يتقي بها ليسَ قًوْلي في شَمْسِ فِعْلِكَ كالشَّمْ - سِ وِلكنْ في الشَّمسِ كالإشرْاقِ قال الشيخ: جعل لفعل الممدوح شمسًا، وفضل نورها على نور ما يقول، أي أن شمس فعلك لا يحسنها قولي وهي تحسنه، كما أن الإشراق يحسن الشمس.
وقال ابن فورجة: جعل لفعله شمسًا استعارة لإضاءة أفعاله، ثم قال: ليس قولي نظير فعلك، ولكنه لما كان دليلًا عليه وإذاعة له تٍسييرًا إياه في البلاد صار كمنزلة الإشراق للشمس، إذ كانت لولاه لما كانت ذات عموم وشمول، و) في (هاهنا موضوعة موضع) إلى (يقول ليس قولي بالقياس إلى شمس فعلك كالشمس هذا أبين، وإن شئت كانت في موضع نفسها يريد الوعائية، ومثل قولك ليس فضلي إلا كالقطرة في البحر، ومثل هذا سواء قوله:
وَذَاكَ النَّشْرُ عِرْضُكَ كانَ مِسْكًا ... وَذَاكَ الشَّعْرُ فِهْري والمَدَاكا
يعني أن شعري إذاعة لمجدك وتسيير له كما أن الفهر يسحق المسك فينشر ريحه.
وقال الأحسائي: يقول لست أشبه فعلك بالشمس لأنه أشرف من الشمس، لأن الشمس تحرق ولا تبرد، ولا تصنع الشيء وضده، وأنت تفعل الأشياء وأضدادها ففعلك أشرف من الشمس، ولكنني أشبه فعلك في الانتشار والإشراق والإضاءة بإشراق الشمس.
ومن التي أولها: هُوَ البيْنُ حتى ما تَأنَّى الحَزائِقُ قوله:
شَدَوا بابنِ إسَحاق الحُسينِ فصَافَحَتْ ... ذَفارِيَها كِيرانُها والنَّمارقُ
قال الشيخ ﵀: شدوا أي رفعوا أصواتهم بمدحه، والذفاري جمع ذفري وهو الناتئ خلف أذن البعير، وهي من الفرس معقد العذار، والمراد أن هؤلاء الركبان شدوا بابن إسحاق الحسين، فلما سمعت للإبل ثنت رؤوسها إلى الركب، لتسمع ثناءهم عليه، فقدمت ذفاريها من الكيران والنمارق التي القوم وفي هذا البيت أصناف من الدعاوى التي تستحسن وقد بدأ الحكمي بوصف الناقة إلا أنه لم يستكمل هذه الصفة قوله:
وكأنَّها مُصْغٍ لُتسْمِعَهُ ... بعضَ الحديثِ بأُذْنِهِ وَقْرُ
ومن التي أولها: أرَقُ على أرَقٍ وَمِثْليَ يَأْرَقُ وقوله:
وَعَذَلتُ أهلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ ... فعَجْبتُ كيفَ يُموتُ مَنْ لا يعشَقُ
1 / 54