قال ابن جني: الهاء في قوله له عائد على الثوب، يقول: لإفراط ارتجاج ثدييها يكاد ينزع عنها ثوبها، ونصب نزوعًا لأنه وصف لارتجاج كأنه قال رأيت لها ارتجاجًا نزوعًا لثوبها عنها لولا أن سواعدها تمنع ذلك.
ومن التي أولها: أرَكائِبَ الأحْبابِ إنَّ الأدْمُعا
وَمَتى يُؤدَي شَرْحَ حالِكَ ناطِقُ ... حَفِظَ القَليلَ النَّزْرَ مَّما ضَيَّعا
قال ابن جني: أي هو قليل بالإضافة إلى ما ضيع، ويسأل عن هذا فيقال: إن المحفوظ ليس المضيع فكيف جعله منه؟ فالجواب: أنه حفظ القليل من جنس ما ضيع إلا ترى أن الجميع أحوال له فكل واحدة مثل أختها في كونهما حالين له، ويجوز أن يكون معناه حفظ القليل النذر بدلًا مما ضيع، كقوله تعالى) لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون (أي بدلًا منكم.
ومن التي أولها:
الحُزْنُ يُقْلِقُ والتَجمُّلُ يَرْدَعُ ... والدَّمْعُ بيَنهُما عَصِيُّ طَيِّعُ
قال ابن جني: أي يعصي التجمل ويطيع القلق، والعصي: العاصي.
المَجْدُ أخْسَرُ والمكارِمُ صَفْقَةً ... مِنْ أنْ يَعيشَ بها الكَرِيمُ الأروَعُ
قال ابن جني: معناه المجد والمكارم أخسر صفقة، وإن حملت الإعراب على هذا اختل لأنك تفصل بين أخسر وصفقة وهي منصوبة بالمكارم التي هي عطف على المجد، وهذا غير جائز لأن صفقة تحل من أخسر محل الصلة من الموصول، ألا ترى أنه يجوز) زيد أحسن وعمرو وجهًا (ولك أن تصرفه إلى وجه غير هذا فتجعل المكارم عطفًا على الضمير الذي في أخسر فإذا عطفته على الضمير لم يكن أجنبيًا منه، فلا يعد فصلًا بينه وبين صفقة، فيصير نحو قولك) مررت برجل أكل وعمرو خبزًا (فيعطف عمرًا على الضمير في أكل وينصب خبزًا يأكل.
حرف الفاء
ومن التي أولها:
لِجَّنَّيةٍ أمْ غادَةٍ رُفِعَ السَّجْفُ ... لِوَحْشِيَّةٍ لا ما لِوَحْشِيَّةٍ شَنْفُ
قال ابن جني: أراد الجنية فحذف استخفافًا قال الشاعر:
ثُمَّ قَالُوا تُحِبُّها قُلْتُ بَهْرًا ... عَدَدَ الرَمَل والحْصَى والتُّرابِ
وقال الآخر:
رَفَوْني وَقَالُوا يا خُوَيِلدُ لا تُرَعْ ... فَقُلتُ وأنْكَرْتُ الوُجُوهَ هُمُ هُمُ
فحذف الهمزة، لأنه لما أنكرهم سأل عنهم وقد يجوز أن يكون الكلام خبرًا لا استفهامًا. والغادة: الناعمة الخلق مثل الغيداء، والسجف جانب الستر.
وقال الشيخ ﵀: كأن الشاعر شك في هذه المذكورة فجعلها جنية، ثم توهم أنها غادة من الإنس، ثم انصرف عن ذلك الرأي، فظن أنها وحشية يشبهون المرأة بالظبية والبقرة من الوحش، ثم أنكر أن تكون؛ فالوحوش لا يكون عليها حلي. وقد يجوز أن تكون ألف الاستفهام غير مرادة في البيت كأنه قال لوحشية رفع السجف، وهو لا يشك في ذلك ثم جاء) بأم (لأنها تجيء في معنى بل، وليس قبله استفهام، ومن ذلك قوله تعالى) ألَم تنزيل الكتاب لا ريب من رب العالمين (ثم قال) أم يقولون افتراه (وهذا الوجه أحسن من الأول لأنه لا يخلو من الضرورة.
وُقُوفَيْنِ في وَقْفَين شُكْرٍ وَنائِلٍ ... فَنائِلُهُ وَقْفُ وشُكرُهُمُ وَقْفُ
قال ابن جني: نصب) وقوفين (على الحال منه ومن الناس، وينبغي أن تكون العامل في) وقوفين (يُفدّونهُ وهما في هذه الحال، وهذا نحو قولك:) رأيتك راكبين (أي أنا راكب وأنت راكب، ومثله قول الشاعر:
فَلَئِنْ لَقِيتُكَ خَالِيَينِ لَتَعْلَمَنْ ... أيَي وأيُّكَ فَارِسُ الأحْزَابِ
نصب خاليين على الحال ويجوز أن يكون نصب) وقوفين (بفعل مضمر كأنه قال أذكر) وقوفين (أو أصف وقوفين ومعنى الكلام: فَنائِلُهُ وقفُ عليهم وشُكرُهُمُ وَقْفُ عليه.
وَلمَّا فَقَدْنا مِثْلَهُ دَامَ كَشْفُنا ... عليهِ فدامَ الفَقْدُ وانكَشَفَ الكَشفُ
قال الشيخ: الهاء في) عليه (راجعة على مثله، ولولا أنه منظوم لكان الأشبه بهذا الموضع أن يقال) عنه (في موضع) عليه (يقول: لما فقدنا مثله طال كشفنا عن مثله نجده، فدام فقدنا مثله وانكشف كشفنا أي زال لأنا يئسنا من وجدان مثله، وهو من قولهمانكشف القوم إذا ولّوا
قصَدْتُكَ والرَّاجُون قَصْدِي إليهمُ ... كَثيرُ ولكنُ ليسَ كالذَّنَبِ الأنْفُ
قال ابن جني: أصل هذا من قول الحطيئة
1 / 51