كُلَّ شِعْرٍ نَظِيرُ قائِلِهِ مِنْكَ ... وعَقْلُ المُجِيزِ مِثْلُ المُجازِ
قال ابن جني: الكاف في) منك (يخاطب بها الشاعر، يقول له إذا مدحت أحدًا فقيلَ شعرك فهو نظيره وكفؤه. لقبوله إياه منك. وإذا أجازك فعقله مثل عقلك وتقديره وعقل المجيز مثل عقل المجاز فحذف المضاف.
قال الشيخ ﵀: يقول الشعر إذا كان رديئًا خسيسًا جاز على الأخساء من القوم وإذا كان جيدًا نفق على الرؤساء والسادة وقوله) وعقل المجيز مثل المجاز (المجاز هاهنا العطاء الذي يعطاه الشاعر. أي أن عقل المجيز إذا كان وافرًا وفر العطية، وإذا ناقصًا كان ما يعطيه كذلك، ويحتمل أن يكون المجاز هاهنا الشعر. وذلك أشبه من المعنى الأول. ولا يحسن أن يراد بالمجاز هاهنا الشاعر لأنه إذا أراد ذلك احتاج أن يكون قد حذفا المضاف كأنه قال وعقل المجيز مثل عقل المجاز، وفي هذا المعنى انتقاض للممدوح لا يجعل عقل مثل عقل الشاعر.
حرف السين
ألا أذَّنْ فَمَا أذْكَرْتَ ناسِي ... وَلا لَيَّنْتَ قَلْبًا وَهُوَ قاسِي
قال الشيخ ﵀: قوله) ناسي (في القافية ليس مثل أن يأتي به في حشو البيت، لأن ذلك عند البصريين من الضرورات وعند الفراء لفة للعرب وأنشد الكوفيون:
فكسوتُ عَاِريَ لَحمهِ فَتركتُه ... جَذلانَ جَادَ قَميصُه وردَاؤُه
وإنما فرق بين ذلك في القافية ومجيئه في غيرها، لأن القوافي اجتمعت الشعراء على أن تستعمل فيها أشياء لا تستعمل في حشو البيت، فمن ذلك حذف الإعراب في الشعر المفيد، وتخفيف المشدد ألا ترى أن قصيدة امرئ القيس التي على الراء قد جاءت فيها أشياء مشددة خفف فيها التشديد لقوله في القافية:) هر وصر وقر وأفر (وكذلك جميع ما، قيد من قصائد العرب، ولا تخلو من تخفيف المشدد ولا يستعملون مثل ذلك في غير القافية، وإذا ندر منه شيء لم يجمعوا فيه بين تخفيف المشدد وترك الإعراب، فإن تركة العرب لم يضيفوا إليها تخفيف المشدد، ومثل بيت أبي الطيب البيت المنسوب إلى بشر بن أبي خازم.
كَفَى بالبيْن مِنْ أسْماءَ كَافِ ... وليسَ لحُبها ما عِشتُ شَافِ
ومن التي أولها:
هَذِي بَرَزْتِ لَنا فَهِجْتِ رَسيسَا ... ثُمَّ انْصَرَفْتِ وَما شَفَيْتِ نَسِيسَا
قال الشيخ ﵀: قوله) هذي (أشبه ما يقال فيه: هذي البرزة برزت لنا أو هذي المرة ونحو ذلك ويكون موضع هذي نصبًا على الظرف لأنها مشار بها إلى ما يحتمل أن ينصب كنصب الظروف.
قال ابن فورجة: قد نعي ابن جني على المتنبي حذفه حرف النداء من هذي، وهذي تصلح أن تصلح أن تكون وصفًا لأي فحذف) يا (مع أي إجحاف وذلك لا يجوز عند البصريين وقد فسر في قول الله ﷾ هؤلاء بناتي هُن أطهر لكم (قال: أراد هؤلاء وهذا عند البصريين غير جائز وسمعت الشيخ أبا العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان: هذي موضوعة موضع المصدر وإشارة إلى البرزة الواحدة كأنه يقول هذه البرزة برزت فهجت رسيسا. وهذا تأويل حسن لا حاجة معه إلى اعتذاره والرسيس بقايا السقم، والنسيس الرمق.
كَشَّفْتُ جَمْهَرَة العِبادِ فَلَمْ أجِد ... إلاَّ مِسُودًا جَنْبَهُ مَرْؤوسا
قال ابن فورجة: أي سبرت وجربت واختبرت جمهور الناس، وقوله جنبه أي بالإضافة إليه أي كل الناس بالإضافة إليه مرؤوس مسود، وقد حذف حرف الجر فنصبه كما قال تعالى) واختار موسى سبعين رجلًا (أي من قومه. وقوله تعالى) واقعدوا لهم كل مرصد (أي على كل مرصد.
حرف الشين
من التي أولها:
مَبيتي مِنْ دِمِشْقَ على فِراشِ
يُدَمَّي بَعْضُ أيْدي الَخْيلِ بَعْضًا ... ومَا بعُجَايَةٍ أثَرُ ارْتِهاشِ
قال الشيخ ﵀: العجاية العصب الذي في الوظيف، والارتهاش أن يصك الفرس بإحدى يديه الأخرى فيؤلم بذلك العجاية، وإنما يصف ان الخيل في ضنك فقد أدمى بعض أيديها بعضًا وليس بها ارتهاش وإنما هو من التزاحم وبعض يقع عند قوم على ما دون النصف، وقيل يقع على النصف فما دونه، وأنكر قوم وقوعها على النصف، وكرهوا: جاءني بعض الرجلين، وقالوا: إنما ينبغي أن يقال جاءني أحدهما.
كأنَّكَ ناظِرُ في قَلْبٍ ... فما يَخْفَى عَلَيْكَ مَحَلُّ غاشِ
1 / 45