وقد جود ابن حني في هذا التفسير، على أنه لا يمتنع أن يقال: عني أن العيس منه في وسطه سائرة، كما أنا من الكور على واسطتين، ولم يتعرض لوقوفها ولإبراحها ومما يؤكد هذا قوله:) يخدن بنا في جوزه (فلو أراد أنها كالواقعة لما قال) يخدن (وإنما أراد أن سيرها لا يغني من قطعه كثير شيء.
وَغَيْثٍ ظَنَنَّا تَحَتَهُ أنْ عامِرًا ... عَلاَ لم يُمَتْ أوْ فِي السَّحابِ له قَبْرُ
قال ابن جني: عامر هذا هو جد الممدوح يقول كأنه في السحاب قد ارتفع إليه ولم يمت فهو يصب علينا المطر صبًا. أو قبره في السحاب فهو ينهل لجوده يريد كثرة المطر.
قِرَانُ تَلاقي الصَّلْتُ فيه وَعامِرُ كَما يَتَلاقى الهُنْدُوانيُّ والنَّصْرُ قال ابن جني: يريد جدته من قبل أبيه وأمه، ورفع قرانًا بفعل مضمر كأنه قال: أنجب به قران هذه حال وصفته، وشبه اجتماعهما بقران الكوكب تشريفًا لهما.
وقال الشيخ: يحتمل أن يكون القران من مقارنة الآدميين ومن مقارنة الكواكب، أي ولد هذا الممدوح في قران أوجب له سعدًا.
إلَيْكَ طَعَنَّا في مَدى كلِّ صَفْصَفٍ ... بكُلْ وَآةٍ ما لَقِيتْ نَخْرُ
قال الشيخ ﵀: استعار الطعن من الرماح للنوق وجعل المدى كالمطعون، والصفصف أرض واسعة صلبة وربما كان فيها رمل رقيق والوآة أثنى الوأي وأكثر ما يستعمل الوأي في الخيل وحمير الوحش، وربما قيل الوأي الطويل هو الصلب الشديد، وقيل المفيد الحلق، والذي بدل عليه الاشتقاق أنه من قولهم وأيت إذا وعدت، وقيل: الوأي ضمان العدي. فكأن الوأي يعد من يراه أنه إذا افتقر حربه وجده مرضيًا، ولما استعار الطعن في أول البيت وجعل الوآة كالقناة، صير كلما لقيت نحرًا لأن الطعنة إذا وقعت في ذلك الموقع كانت أقبل منها في غيره أي أنها تنفذ في هذا المدى كما ينفذ السنان في المطعون.
وَجَنّبَني قُرْبَ السَّلاطين مَقْتُها ... وما يَقْتَضيني مِنْ جَماجِمِها النَّسْرُ
قال ابن فورجة: قال أبو الفتح بن جني: المقت البغض أي كأن الطير ينتظر قتل السلاطين ليأكل من لحومها، هذا شرح مغن ولقيت بعض الذين يزعمون أنهم لقوا أبا الطيب وقرءوا عليه شعره يزعم أنه حبس على هذا البيت.
وقال له علي بن أحمد الانطاكي: ما هذه الجرأة ومواجهتك إياي بهذا القتال في السلاطين وأنا منهم؟ فاعتذر بأن قال عنيت مقتهم إياي لا مقتي لهم وعنيت بالنسر الأخذ والاختطاف يقال نسرت أنسر نسرًا أي خطفت وعنيت بالجماجم الأكابر والسادات فقلت له ما صنع بقوله؟:
وَلاَ تَحْسّبَنَّ المَجْدَ زِقًَا وَقَيْنَةً ... فَما المجْدُ إلاَّ بالسَّيفُ والفَتكةُ البكرُ
وَتَضْرِيبُ أعناقِ المُلوكِ وأنْ تُرَى ... لَكَ الهَبَواتُ السُّودُ والعسكرُ المجرُ
وإنما للرجل في ذاك عادة وهو يعده جرأة منه وقدرة وقلة احتفال ألا تراه يقول:
مَدَحْتُ قَوْمًا وإنْ نَظمتُ لهم ... قَصَائدًا من إناثِ الخَيل والحُصُن
تَحْتَ العَجاجِ قَوَافِيها مُضَمَّرةً ... إذَا تُنَوشِدْنَ لم يَدْخُلْنَ في أُذُنِ
وقوله:
مِيعادُ كُلْ رَقيقِ الشَّفْرتينِ غَدًا ... وَمَنْ عصَى من مُلوكِ العربِ والعَجمِ
وسألني هذا المتعمق كيف ينشد قوله:
يَتَفّيأونَ ظِلاَلَ كُلِّ مُطّهَّمٍ ... أجَلِ الظَّلٍم وَرِبْقَةِ السَّرْحانِ
فأنشدته على ما رويت، فقال: أنا أروي عنه: حل الظليم وربقة السرحان، يريد أن هذا الفرس في عدوه كحلك الظليم من عقال، فقلت: فما باله يجعله كربقة السرحان. أفترى السرحان مربوقًا فيه ما يشبه به الفرس؟ فقال: بل عنى أن طرده لم يفته فكأنه مربوق كقول امرئ القيس: فقَيْدِ الأوابِد هَيْكَلِ فقلت: الربقة تحبس بالقيد وكذلك الأجل يحبس بالموت. هذا ازدواج وتشابه فما الذي يسوء منا هذا التنافر في المعنيين.
لِسانِي وَعِيْنِي والفُؤَادُ وهمَتِي ... أوُدُ اللَّوَاتِي ذا اسمُها ومِنْكَ والشَّطْرُ
1 / 40