266
قوله : { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار } والإعصار الريح الشديدة التي فيها النار { فاحترقت كذلك يبين الله لكم الأيات لعلكم تتفكرون } .
يقول : هل منكم من يود ذلك؟ على وجه الاستفهام ، أي : ليس منكم من يود ذلك ، يقول : فاحذروا ألا تكون منزلتكم عند الله كذلك ، أحوج ما تكونون إلى أعمالكم يحبطها ويبطلها ، فلا تقدرون منها على شيء؛ فكما لا يسركم ذلك في حياتكم ، فكذلك لا يسركم ذلك في الآخرة . وهذا مثل ضربه الله لكم لعلكم تتفكرون .
ذكروا عن الحسن قرأ هذه الآية فقرأ : مثل والله قل من يعقله من الناس ، حين كبرت سنة ، وكثر عياله ، وأحوج ما يكون إلى جنته . وإن أحدكم والله أحوج ما يكون إلى عمله إذا انقضت الدنيا ومضت لحال بالها .
وقال مجاهد : هذا مثل المفرط في طاعة الله حتى يموت .
قوله : { يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } . قال الحسن : هذا في النفقة الواجبة؛ كانوا يتصدقون بأردإ درهمهم ، وأردإ فضتهم ، وأردإ طعامهم ، فنهاهم الله عن ذلك فقال : ولا تيمموا [ يعني ولا تقصدوا ] الخبيث ، وهو الرديء ، منه تنفقون . أي : منه تزكون .
وقال مجاهد : { من طيبات ما كسبتم } . أي من التجارة .
قال : { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } يقول : ولستم بآخذي هذا الرديء بثمن هذا الجيد إلا أن يهضم لكم منه .
قال بعضهم : كان الرجل يكون له حائطان عل عهد رسول الله A فيعمد إلى أردئهما ، فيتصدق به ، ويخلطه بالحشف ، فنهاهم الله عن ذلك . قال : { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } ؛ أي : ولستم بآخذي هذا الرديء بسعر هذا الطيب إلا أن يهضم لكم منه . قال الحسن : فكما لا يستوي عندكم هذا الجيد والرديء فكذلك لا يستوي عند الله في الآخرة .
وقال الكلبي : ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ، قال : لو كان لبعضكم على بعض حق فأعطي دون حقه لم يأخذه منه إلا أن يرى أنه قد تغامض له عن بعض حقه ، وكذلك الله ، إلا أن يتراحم عليكم ، لا تستكملون به الأجر له ، إلا أن يتغمدكم الله برحمته .
وقال مجاهد : إلا أن تغمضوا فيه : إلا أن تأخذوه من غرمائكم بزيادة على الطيب في الكيل .
قوله : { واعلموا أن الله غني حميد } أي غني عما عندكم لمن بخل بصدقته ، حميد لمن احتسب بصدقته .
Page 131