وإذا كان في صلاة كانت قائمة بأفضل عبادة وهي الصلاة، في أشرف موقف وهو مناجاة الرحمن بآيات القرآن.
فهذا الذكر الحكيم، تنزيل الرحمن الرحيم، الذي يحصل هذه الحال، التي هي أشرف الأحوال، وهي معراج الأرواح لمنازل الكمال، هو أفضل الأذكار.
وأيضًا فإن الذكر قلبي ولساني وعملي، والقرآن محصل لذلك كله على أكمله كما سنبينه.
القرآن، والذكر القلبي:
فالتالي للقرآن المتدبر لآياته، يكون متفكرًا في مخلوقات الله وما فيها من حكم ومن نعم، وفي معاني أسمائه وصفاته، وفي مظاهر رحمته وإحسانه وبطشه وانتقامه، وفي أسباب ثوابه وعقابه، وفي مواقع رضاه وسخطه.
كما يكون التالي أيضًا متبصرًا في عقائده، خبيرًا بأدلتها، ورد الشبه عنها.
كما يكون أيضًا مستحضرًا لربه في قلبه باستحضار حقوقه ونعمه وآلائه؛ إذ هذا كله مما تضمنته آي القرآن على أكمل بيان، وأوضح برهان.
القرآن والذكر اللساني:
وكذلك قد اشتمل القرآن على أفضل الأذكار اللسانية: من تهليل، وتكبير، وتحميد، وتسبيح، وتمجيد، واستغفار، ودعاء، وعلى الأسماء الحسنى، والصفات العلى للرب ﵎؛ فتاليه يكون ذاكرًا بهذه الأذكار كلها.
القرآن، والذكر العملي:
إن تلاوة القرآن بالتدبر تثمر للتالي التوبة والإنابة والرجاء والخوف، وذلك كله مما يكون له خير داع إلى الاستقامة- ولو بعض الشيء- في سلوكه العملي.
هذا شيء قليل مما للقرآن في الذكر بأنواعه الثلاثة.
إلى ما فيه من علم مصالح العباد في المعاش والمعاد، وبسط أسباب الخير والشر والسعادة والشقاوة في الدنيا والأخرى. وعلم النفوس وأحوالها، وأصول الأخلاق والأحكام. وكليات السياسة والتشريع. وحقائق الحياة في العمران والاجتماع. ونظم الكون المبنية على الرحمة والقوة، والعدل والإحسان .. إلى ما تقصر عن عده الألسنة وتعجز عن الإحاطة به الأفهام.
وإنما ينال كل تال منها على قدر ما عنده من سلامة قصد، وصحة علم، بتقدير وتيسير من الحكيم العليم.
نتيجة الاستدلال:
لهذه الأدلة الأثرية والنظرية المذكورة وغيرها ذهب الأئمة من السلف والخلف إلى أن قراءة القرآن أفضل من الذكر. قال سفيان الثوري:
1 / 32