وقد مات بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه ، فأحيا الله منه عينيه ، ثم شيئا فشيئا منه ، وهو ينظر ونظر إلى طعامه وشرابه عنده لم يتسه مع سرعة التغير إلى الطعام غالبا ، ثم نظر إلى حماره عظاما متفرقة تلوح ، فاجتمعت هى ثم أجزاؤه إليها فأحيا بمشاهدته فقام بنهق كما قال { وانظر إلى حمارك } فنظر إليه عظاما وأجزاءه متفرقة ، فعلنا ذلك لتعلم كيف نحيى الموتى ، وتمام قدرتنا على إحيائها والأزمة فى الإحياء سواء { ولنجعلك ءاية للناس } دالة على البعث ، أو وفعلنا ذلك لنجعلك وأحوالك وأحوال حمارك آية للناس ، أو لنجعلك وما معك آية للناس ، فعلنا ذلك . وسماها ، أعنى أجزاء الحمار حمارا باعتبار ما كان أو ما يكون { وانظر إلى العظام } عظام الحمار ، وقبل عظام الحمار وعظام القوم ، لا عظام الحمار فقظ كما قيل ، وقيل : عظام نفسه ، بأن خلق الله الحياة فى قلبه وعينيه وردهما فشاهد جسده عظاما بالية ، وشاهد إحياءه ، وإنما قلت ، أحيا قلبه ، لأن العين بلا قلب لا تحس ، لكن إن شاء الله أحست ، وكرر الأمر بالنظر لأن الأول ليرى أثر المكث الطويل والثانى ليشاهد الإحياء { كيف ننشزها } فبعثها حية ، فالعظم حى يؤثر فيه الموت ، كقوله تعالى : قل يحييها ، أى من موت ، وذلك مذهبنا ومذهب الشافعى ، أو نركب بعضا على بعض ، وانظر إلى حمارك سالما محفوظا كطعامك بلا علف ولا ماء ، وانظر إلى عظام الآدميين الموتى الذين تعجبت من إحيائهم ، والحمار على هذا حقيق ، ورجحوا لأول لمناسبته أمر البعث وقد يرجع الثانى لأنه سماه حمارا ، أو لم يسمه عظاما ، وفصل بينه وبين قوله ، وانظر إلى العظام بقوله : ولنجعلك آية للناس { ثم نكسوها لحما } فنظر إلى عظام الحمار أو الموتى تنتشر وتكسى لحما ، روى أنه نادى ملك ، أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعى ، فاجتمع كل جزء من أجزائها التى ذهب بها الطير والسباع والرياح ، فانضم بعضها إلى بعض ، والأعصاب والعروق ، واتصل كل بمحله ، وانبسط عليه اللحمن ثم الجلد ثم الشعر ، ونفخ فيه الروح ، وقام رافعا رأسه وأذنيه ينهق ، وروى أنه أقبل ملك يمشى وأخذ بمنخر الحمار فنفخ فيه الروح فقام حيا { فلما تبين له } أن الإحياء أو شأن الإحياء ، وهو أى قدر الله المدلول عليه بقوله { قال أعلم أن الله على كل شىء قدير } لا على التنازع ، لأن قوله ، إن الله على كل شىء قدير مع أعلم قبله لفظ مفرد بالحكاية ، أحاط به القول ولا يشاركه غيره فيه ، ولو كان فى الأصل جملتين فإن الله .
Page 313