218

Tafsir de Sadr Din Shirazi

تفسير صدر المتألهين

Genres

فكل ما يعقل وجوده عن ذاته وعن عقله لذاته، لا يجوز أن يتغير، بل يجب وجود كل ذلك على الوجه الذي عقله، ووجود أنواع الحيوانات وبقاؤها متعقل له تعالى بلا شك فيه ولا خلاف من أحد من العقلاء، وخصوصا وجود النوع الإنساني وبقاؤه، فيجب وجود هذا النوع وبقاؤه، وكذا سائر الأنواع الحيوانية المتوالدة.

ولما كان وجود النوع إنما يبقى مستحفظا، إذا لم يمكن لواحد من أعداده الديمومة الشخصية بتعاقب أشخاصه، وبلوغ كل شخص منها الى كماله الذي يمكن به أن يلد شخصا آخر مثله، وبلوغه الى ذلك الكمال لا يمكن إلا ببقائه مدة يصل فيها اليه، وبقاؤه تلك المدة لا يمكن إلا بما به قوام حياة البدن من الرطوبات الغريزية التي هي أبدا في التحلل والذوبان والنقصان، بواسطة استيلاء الحرارات الداخلية والخارجية عليها، فيحتاج في تحللها وذوبانها ونقصانها كل لحظة الى البدل، وهو الرزق الصوري، فقوام الحياة البدنية بالرزق.

ولما تقرر أنه تعالى يعقل وجود الكل من ذاته، وينال أسبابها وعللها من ذاته، ووجود ما يعقله من ذاته واجب، ويعقل بقاء النوع الإنساني ببقاء الأشخاص وتناسلهم، ويعقل تناسلهم ببقاء كل شخص مدة، ويعقل بقاء كل شخص مدة بما به قوام حياته وهو الرزق، والرزق إنما يكون من النبات والحيوان كالخبز واللحم والفواكه والحلوى، فوجب أن يكون الرزق مضمونا بتقدير الرؤوف الرحيم، ولذلك قال:

وفي السمآء رزقكم وما توعدون فورب السمآء والأرض إنه لحق مثل مآ أنكم تنطقون

[الذاريات:22 - 23].

فقد علم أن الرزق، سواء كان حلالا بحسب الشرع، أو حراما، أو غيرهما، كرزق سائر الدواب، واجب من قبل الله وجوبا عقليا كما قال:

وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها

[هود:6].

حكاية في هذا الباب

ذكر في كتاب إخوان الصفا، أن بعض الخلفاء العباسيين رأى شيخا سقاء في داره فقال له: كم تعد من الخلفاء؟ قال: كثير، فقال له شبه المتعجب: ما بالكم طوال الأعمار ونحن قصارها؟ قال له السقاء: لأن أرزاقكم تجيء مثل أفواه القرب، وأرزاقنا تجيء مثل قطر الأجفان، فاستحسن الخليفة وأمر له بجائزة أغناه بها عن صنعه.

Page inconnue