Tafsir de Sadr Din Shirazi
تفسير صدر المتألهين
Genres
وأما البرهان: فهو أن من الناس من قال: تأثير الفاعل ليس في تحقيق الماهية وتكوينها، بل لا تأثير له إلا في إعطاء صفة الوجود لها. فقلت: فالوجود أيضا ماهية فوجب أن لا يكون الوجود واقعا بتأثيره فإن التزموا ذلك وقالوا: الواقع بتأثير الفاعل هو موصوفية الماهية بالوجود فنقول: تلك الموصوفية إن لم تكن مفهوما مغايرا للماهية والوجود امتنع إسنادها إلىالفاعل. وإن كان مفهوما مغايرا فذلك المفهوم لا بد وأن يكون له ماهية، وحينئذ يعود الكلام، فثبت ان المؤثر مؤثر في الماهية وكل ما بالغير فإنه يرتفع بارتفاع الغير، فلولا المؤثر لم تكن تلك الماهية ماهية ولا حقيقة، فبقدرته صارت الماهيات ماهيات وصارت الحقائق حقائق. وقيل تأثير قدرته فلا ماهية ولا وجو ولا حقيقة ولا ثبوت، وعند هذا يظهر صدق قولنا: لا هو إلا هو. أي لا تقرر لشيء من الحقائق إلا بتقريره وتحقيقه، فثبت أنه لا هو إلا هو.
أقول وبالله التوفيق:
اعلم أن مقام التوحيد الخاص الذي عليه الأولياء الكاملون والعرفاء المحققون، أعلى درجة وأشمخ شهوقا من أن يناله أرباب الأنظار الجزئية بقوة أنظارهم، وأصحاب المباحث الكلامية بدقة أفكارهم، ومن زعم أنه بقوة مهارته في تحرير المقالات، وتقرير الاشكالات والأجوبة عن بعض الايرادات، وبيان بعض المسائل والشبهات، يمكنه الوصول إلى فهم مسائل هذا التوحيد، ومكاشفات إخوان التجريد، فقد استسمن ذاورم، ومثله كالزمن إذا أراد أن يطير في الجو، ومثل من أراد أن يثبت هذا المقصد الغالي، ويصل إلى هذا المصعد العالي بمثل هذا القياس المرتب في زاوية قلبه من هذه المقدمات الواهية الواهنة الأساس، كمثل العنكبوت إذا أراد أن يصيد العنقاء بشبكة ينسجها في زوايا البيوت.
ولولا مخافة التطويل والاطناب، لاستقصينا الكلام في هذا الباب، فأخذنا أولا في إقامة البراهين القطعية على أن شيئا من الماهيات لا يمكن أن يكون أثرا للجاعل ومجعولة له، ثم على إثبات أن أثر الجاعل وما يترتب عليه في الخارج، هو نحو من أنحاء الوجودات الخاصة. ثم على أن ما ذكره هذا القائل، يناقض ويخالف عقلا ولفظا لما هو بصدده من إثبات هذا التوحيد، وأن كلمة " لا هو إلا هو " تدل عليه. ثم بعد ذلك نشير إلى لمعة من لوامع مسألة التوحيد الخاصي، وإلى كيفية استنباطها من هذه الكلمة ولكن جاء في المثل: " ما لا يدرك كله لا يترك كله " فلنذكر هذه المقاصد ها هنا على طريقة الاختصار، وطي بعض مباديها ومقدماتها البعيدة، ليكون الناظر في هذا المقام على بصيرة في طلب ما ادعيناه من غير تعب وكلال.
ويكون الاستقصاء البالغ مرجوعا الى مواضع اخرى من مسفوراتنا المطولة.
وهي مشتملة على فصول خمسة.
فصل
في أن الوجود هو المجعول بالذات
اعلم إن للوجود صورة في الخارج، وليس مجرد معنى مصدري انتزاعي - كما يقول الظالمون - إذ لا شك في أن للأشياء حقائق. وحقيقة كل شيء هي خصوص وجوده الذي تترتب عليه أحكامه المخصوصة وآثاره المطلوبة منه.
وكون الشيء ذا حقيقة، معناه انه ذا وجود، فحينئذ لا بد أن يكون في الأعيان ما يصدق عليه هذا المعنى، أي معنى الحقيقة، وليس مصداقه نفس الماهية من حيث هي، سواء كان بعد الصدور أو قبل الصدور، بل مصداقها إما نفس الوجود للشيء، أو الماهية الموجودة بما هي موجودة لا بما هي ماهية، فالوجود أولى بأن يكون حقيقة أو ذا حقيقة من غيره، إذ غيره به يكون ذا حقيقة. لست أريد من هذا أن مفهوم الحقيقة يجب أن يصدق عليه هذا العنوان، بل إن هنا شيئا يصدق عليه بحسب الخارج مفهوم الحقيقة وليس هو نفس الماهية الموجودة، بل وجودها.
Page inconnue