[6.126-131]
{ وهذا صراط ربك مستقيما } يعني القرآن { قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون لهم دار السلام } يعني لهؤلاء الذين تدبروا الحق وعرفوه وتبعوه دار السلام يعني السلامة الدائمة الخالصة من كل آفة، وقيل: أراد الجنة سماها الله دار السلام لسلامتها من الآفات والعاهات، وقيل: لأنها سلمت من أعداء الله تعالى، قوله: { وهو وليهم بما كانوا يعملون } ، قيل: في الدنيا بالتوفيق وفي الآخرة بالجزاء { ويوم نحشرهم جميعا } يعني الجن والإنس فيجمعهم الله تعالى في موقف القيامة فيقول: { يا معشر الجن } أي يا جماعات الجن { قد استكثرتم من الإنس } ، قيل: استكثرتم من اضلالهم وإغوائهم { وقال أولياؤهم من الانس } يعني من أطاعهم { بنا استمتع بعضنا ببعض } أي انتفع بعضنا ببعض مما حصل له من السرور، وقيل: تعاونا على ما كنا عليه من الإضلال في الدنيا { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } أي وقتنا ومدتنا الذي أجلت لنا، قيل: وقت الموت، وقيل: وقت الحشر، فقال تعالى: { النار مثواكم خالدين فيها } أي دائمين، قوله تعالى: { إلا ما شاء الله } من تجديد الجلود بعد إحراقها، وقيل: إلا ما شاء الله من بعثهم ووقت الحساب الى دخول جنهم، وقيل: إلا ما شاء الله الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب إلى عذاب { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا } بمعنى نخليهم حتى يتولى بعضهم بعضا كما فعل الشياطين وغواة الانس، ويجعل بعضهم أولياء بعض يوم القيامة، وقرناء كما كانوا في الدنيا، أو نولي بعضهم بعضا في النار، وروى الثعلبي قال: يسلط بعضهم على بعض يدل عليه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" من أعان ظالما سلطه الله عليه "
، وقال مالك بن دينار: قرأت في كتب الله المنزلة أن الله تعالى قال: أفني أعدائي بأعدائي ثم أفنيهم بأوليائي، قال: وروي أيضا في تفسيره: إن الله تعالى إذا أراد بقوم خيرا ولى أخيارهم، وإذا أراد بقوم شرا ولى عليهم أشرارهم، وفي الخبر: أن الله تعالى يقول: أنا الله لا إله إلا أنا مالك الملوك، قلوبهم ونواصيهم بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليهم رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليهم نقمة، فلا تشغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إلي أعطفهم عليكم قوله تعالى: { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون } يقرأون { عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا } وهو يوم القيامة واختلف العلماء في الجن هل أرسل إليهم رسولا أم لا؟ وهل كان فيهم مؤمن قبل بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال الضحاك: ألم تسمع إلى قوله تعالى: { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } يعني بذلك رسلا من الإنس ورسلا من الجن، وقيل: كانت الرسل قبل مبعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يبعثون إلى الإنس والجن جميعا، وعن مجاهد: الرسل من الإنس والنذر من الجن، ثم قرأ قوله تعالى:
ولوا إلى قومهم منذرين
[الأحقاف: 29] وعن ابن عباس: هم الذين استمعوا القرآن خاصة رواه في الثعلبي والله اعلم { قالوا شهدنا على أنفسنا } إقرار منهم بأن حجة الله لازمة لهم وانهم محجوجون بها { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } { ذلك ان لم يكن ربك مهلك القرى بظلم } يعني من غير تذكير منه وتنبيه { وأهلها غافلون } عن الحجج، وقيل: بظلم منه حتى يبعث إليهم رسولا.
[6.132-139]
{ ولكل درجات } جزاءا من أجل ما عملوا يعني من الثواب والعقاب على قدر ما عملوا في الدنيا { وربك الغني } عن خلقه { ذو الرحمة } لهم { إن يشأ يذهبكم } يهلككم، وقيل: يميتكم ويستخلف من بعدكم ويأتي بقوم أطوع منكم { كما أنشأكم } خلقا { من ذرية قوم آخرين إن ما توعدون لآت } كائن لا محالة { وما أنتم بمعجزين } يعني بفائتين { قل } يا محمد { يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل } يعني على مكانتي بما أمرني ربي وهذا وعيد وتهديد لا أمر اباحة واطلاق، كقوله: اعملوا ما شئتم { إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار } يعني الجنة { إنه لا يفلح الظالمون } ، قوله تعالى: { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا } الآية نزلت في المشركين قال المفسرون: كانوا يجعلون سائر أنعامهم وأموالهم نصفين نصيبا لله ونصيبا للأوثان فما كان لله أطعم الضيفان والمساكين وما كان للأوثان أنفق عليها، ولا يأكلون من ذلك كله شيئا وإن سقط من نصيب الأوثان شيء إلى نصيب الله ردوه وقالوا: إنه فقير وإن سقط شيء من نصيب الله تعالى إلى نصيب الأوثان لم يردوه وقالوا: انه غني وهو معنى قوله: { فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون } وإذا كثر الذي لله قالوا: ليس لآلهتنا بد من النفقة فأخذوا الذي لله وأنفقوه على آلهتهم، وإذا أجدب الذي لله وكثر الذي لآلهتم قالوا: لو شاء الله لأزكا الذي له فلا يردون عليه شيئا مما للآلهة، وإذا أصابتهم السنة استعانوا بما حرثوا لله تعالى ووفروا ما حرثوا لآلهتهم وذلك قوله تعالى: { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا } يعني الأوثان، وقوله: بزعمهم قال في الثعلبي عن شريح القاضي: لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا والزعم أيضا الطمع، وقوله تعالى: { ساء ما يحكمون } أي يقصون، قوله تعالى: { وكذلك زين لكثير من المشركين } والمعنى أن شركاءهم من الشياطين هم الذين زينوا لهم بالوسوسة، وقيل: الذي زين لهم ذلك قوم كانوا يخدمون الأوثان، وقيل: كان الرجل في الجاهلية يحلف لأن ولد له كذا غلام لينحرن أحدهم كما فعل عبد المطلب، وكذلك دفنهم البنات { وليلبسوا عليهم دينهم } ، قيل: ليخلطوا وليوهموا عليهم { ولو شاء الله ما فعلوه } لو شاء أن يمنعهم قهرا ويلجئهم إلى تركه لفعل { وقالوا } يعني المشركين { هذه أنعام وحرث } يعني زرع { حجر } وأصل هذا المنع يقال حجرت على فلان كذا أي منعته { لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم } يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء { وأنعام حرمت ظهورها } يعنون البحائر والسوائب والحام { وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها } يعنون في الذبح وإنما يذكرون عليها اسماء الأصنام، وقيل: لا يحجون عليها، والمعنى أنهم قسموا أنعامهم تعالوا هذه انعام حجر، وهذه أنعام حرمت ظهورها، وهذه أنعام لا يذكرون اسم الله عليها { وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا } ، قيل: الالبان، وقيل: الأجنة، ومعنى خالصة لذكورنا لا يشاركهم فيه أحد من النساء ومحرم على أزواجنا يريد النساء { وان يكن ميتة } يعني وإن ماتت النوق البحائر التي حرموا ألبانها على النساء اشتركوا في لحومها رجالهم ونساءهم عن ابن عباس، وقيل: ان يكن الأجنة ميتة { فهم فيه شركاء } الرجال والاناث { سيجزيهم وصفهم } الكذب على الله تعالى كقوله:
وتصف ألسنتهم الكذب
[النحل: 62] { إنه حكيم عليم }.
Page inconnue