{ أنظر } يا محمد أو أيها السامع { كيف نصرف الآيات } نردد ونظهر مرة بعد أخرى { لعلهم يفقهون وكذب به قومك وهو الحق } ، قيل: القرآن، وقيل: العذاب { قل } يا محمد { لست عليكم بوكيل } أي بحافظ لأعمالكم لأجازيكم عليها إنما أنا منذر والله المجازي { لكل نبأ مستقر } أي لكل خبر وقت وحين، وقيل: وقت استقرار وحصول لا بد منه { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } في الاستهزاء بها والطعن فيها، وكانت قريش يفعلون ذلك والآية نزلت فيهم وكانوا يستهزئون بالقرآن { فأعرض عنهم } أي اتركهم ولا تجالسهم على سبيل الإنكار { حتى يخوضوا في حديث غيره } ، قيل: يدخلون في حديث غير القرآن والاستهزاء به { واما ينسينك الشيطان } يعني يشغلك بوسوسته حتى تنسى النهي عن مجالستهم { فلا تقعد بعد الذكرى } يعني بعد أن تذكر النهي عنه { مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } أي ليس على المؤمنين الذين اتقوا معاصي الله تعالى شيء من حساب الكفرة { ولكن ذكرى } ، قيل: لكن ليلزمهم القيام عنهم ليصير ذلك معوضة، وقيل: لكن عليهم أن يذكروهم وعد الله ووعيده ويأمرونهم بذلك وينهوهم عن المنكر والآية تدل على النهي عن مجالسة الظلمة والفسقة إذا أظهروا المنكر.
[6.70-73]
قوله تعالى: { وذر الذين اتخذوا دينهم } الآية نزلت في الكفار الذين إذا سمعوا آيات الله استهزؤوا بها { وذكر به } أي عظ بالقرآن، وقيل: بيوم الدين { أن تبسل نفس بما كسبت } أصله الارتهان يعني ترتهن كل نفس بما عملت، وقيل: تسلم للهلكة ، وقيل: تسلم للعذاب، وقيل: معناه أن لا تبسل كقوله تعالى:
يبين الله لكم أن تضلوا
[النساء: 176] يعني ذكرهم ليؤمنوا كيلا تبسل نفس ليس لها { من دون الله ولي } ناصر ينجيها من العذاب { وان تعدل كل عدل } أي تفتدي بكل فداء من جهة المال، وقيل: هو من جهة الاسلام والتوبة { لا يؤخذ منها } لا يقبل منها الفداء، وقيل: التوبة { أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا } أهلكوا، وقيل: ارتهنوا { لهم شراب من حميم } ماء حار { و } لهم { عذاب أليم } موجع { بما كانوا يكفرون } { قل } يا محمد { أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا } الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر دعا أبويه إلى الكفر، وقيل: في قوم دعوا المسلمين إلى عبادة الأصنام، والمعنى قل يا محمد أو أيها السامع لهؤلاء الذين يدعون إلى عبادة الأوثان والمراد الانكار لعبادة من لا ينفع ولا يضر، ولا يملك لنا ثوابا ولا عقابا، وندع عبادة الملك القادر عن النفع والضر { بعد إذ هدانا الله } بالاسلام، قوله تعالى: { كالذي استهوته الشياطين في الأرض } أي كالذي ذهب به مردة الجن والغيلان في المهمة { حيران } لا يدري كيف يصنع { له أصحاب } رفقة { يدعونه إلى الهدى } أي يهدونه إلى الطريق المستوي يعني لهذا الحيران في الأرض الذي أضلته الشياطين أصحاب يدعونه إلى الهدى، يعني إلى الطريق، ويقولون له: { ائتنا } ، فلا يقبل منهم ولا يصير إليهم، وقيل له: أصحاب يعني أبويه، وقيل: أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون } ، قيل: يوم القيامة، وقيل: أراد يوم خلق السموات والأرض، وقيل: هو مثل، وقيل: إنه يقول عند إحداث الأمر كن علامة للملائكة { قوله الحق } أي ما أخبر به من الوعد والوعيد { وله الملك } يعني ملك الدنيا والآخرة { يوم ينفخ في الصور } يعني يوم القيامة وينفخ الملك في الصور، وقيل: ينفخ الروح في الصور فيصيرون أحياء.
[6.74-79]
{ وإذ قال ابراهيم لأبيه آزر } ، قيل: هو اسم أبيه على أكثر الأقوال، وقيل: معناه الشيخ إلهم بالفارسية، وعن سعيد بن المسيب ومجاهد آزر اسم صنم، رواه في تفسير الثعلبي، قوله تعالى: { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض } ، قيل: أراد به رؤية العين، وقيل: العلم، قوله: { ملكوت السموات والأرض } ، قيل: ملكهما، وقيل: خلقهما، وقيل: الملكوت الشمس والقمر، وقيل: عرج بإبراهيم (عليه السلام) كما عرج بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا بعد النبوة { فلما جن عليه الليل } أي أظلم { رأى كوكبا } ، قيل: هي الزهرة، وقيل: المشتري { فلما أفل } غرب { قال لا أحب الآفلين } يعني لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين من حال إلى حال، وقد اختلف المفسرون في تفسير قوله: { هذا ربي } في هذه الآية على أقوال: الأول أنه ليس من كلام إبراهيم وإنما هو من كلام آزر وتقديره رأى كوكبا قال آزر: هذا ربي، فلما أفل قال إبراهيم: لا أحب الآفلين، وروي أنهم كانوا يعبدون النجوم، وقيل: أنه من كلام إبراهيم قبل البلوغ فإنه خطر بباله قبل البلوغ إلى حد التكليف إثبات الصانع وحدوث العالم فتفكر في طلب الصانع فرأى النجم، فقال: هذا ربي، فلما أفل، قال: لا يجوز أن يكون هذا ربا لما جاز عليه من الحركات والسكنات، وكذلك الشمس والقمر، حتى عرف أن له صانعا مخالفا للأجسام { قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي } قيل: وجهت عبادتي، وقيل: وجهت نفسي { للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين } ، قيل: يعني مخلصا.
قيل: إن إبراهيم (عليه السلام) ولد زمن نمرود بن كنعان وكان نمرود أول من وضع التاج على رأسه ودعى الناس إلى عبادته، وكان له كهان ومنجمون فقالوا له: إنه يولد في بلدك هذه السنة غلام بغير دين أهل الأرض يكون هلاك ملكك على يديه، وقيل: إنهم وجدوا ذلك في كتب الأنبياء (عليهم السلام) فعند ذلك أمر بقتل كل غلام يولد في تلك السنة وأمر بعزل الرجال عن النساء، خوفا من المولود فبدت له حاجة في مصر فلم يأمن على ذلك إلا آزر أب إبراهيم (عليه السلام) فدعاه وحلفه ألا يقرب أهله فدخل البلد فواقع أهله فحبلت بإبراهيم (عليه السلام) فقال الكهنة للنمرود: أن الغلام الذي كنا نقول لك قد حبلت به أمه، فأمر بذبح الغلمان، فلما دنت ولادة إبراهيم (عليه السلام) خرجت أمه هاربة فولدته ولفته في خرقة، ثم أخبرت زوجها فانطلق إليه وأخذه وانطلق به إلى سرب فكانت أمه تختلف إليه، وقيل: حمل آزر امرأته إلى سرب فولدت، ثم وقيل: نظرت أمه إلى أصابعه فوجدته يمص من إصبع تمرا، ومن إصبع ماءا، ومن إصبع لبنا، ومن إصبع عسلا، ومن إصبع سمنا، وروي أن أمه ولدته في مغارة وكانت تختلف إليه فسألها آزر فقالت ولدت غلاما ومات، فشب ولم يلبث إلا خمسة عشر يوما حتى رجع إلى أبيه، وقال: أنا ابنك، وقالت أمه: هو ابنك، ففرح بذلك، وروي أن إبراهيم (صلى الله عليه وسلم) لما شب قال لأمه: من ربي؟ قالت: أنا، قال: فمن ربك؟ قالت: أبوك، قال: فمن رب أبي؟ قالت: النمرود، قال: فمن رب النمرود؟ قالت: اسكت، ثم رجعت إلى آزر فقالت: أرأيت هذا الغلام الذي كنا نحذر منه أنه بغير الذي هو ابنك، فأتاه آزر فقال إبراهيم: يا أبه من ربي؟ قال: أمك، قال: فمن رب أمي؟ قال: أنا، قال: فمن ربك؟ قال: النمرود، قال: فمن رب النمرود؟ فلطمه وقال: اسكت، ثم أخرجاه من السرب، فرأى الإبل والغنم والخيل فقال: ما هذا؟ فقال: إبل وخيل وغنم، فقال: لا بد أن يكون لها رب ثم نظر إلى الكوكب ثم إلى القمر ثم إلى الشمس فقال ما تقدم ذكره، روي الخبر المتقدم في الحاكم والثعلبي وهو أيضا كلام الفقيه شهاب الدين أحمد بن مفضل (رحمه الله)، قال ابن عباس: لما حملت به قال الكهنة للنمرود: ان الغلام الذي أخبرناك به قد حملت به أمه الليلة، فأمر النمرود بذبح الغلمان، فلما دنت ولادة إبراهيم وأخذها المخاض خرجت هاربة مخافة أن يطلع عليها فيقتل فولدته وأخبرت زوجها بأنها قد ولدت، وأن المولود في موضع كذا، فانطلق أبوه فأخذه من ذلك المكان وحفر له سربا عند نهر فواراه به، وسد عليه بابه بصخرة مخافة السباع، وكانت أمه تختلف إليه وترضعه، وقال ابن إسحاق: لما وجدت الطلق أم ابراهيم خرجت ليلا إلى مغارة كانت قريبا منها ثم سدت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها، وكانت تختلف إليه.
[6.80-88]
قوله تعالى: { وحاجه قومه } أي خاصموه وما دلوه وقالوا له: كيف خالفت دين آبائك وقومك وجئت بدين لا يعرف، وقيل: قالوا فلتخاف آلهتنا أن تصيبك { إلا أن يشاء ربي شيئا } ، قيل: الاستثناء منقطع ومعناه لكن أخاف ربي أن يعاقبني إذا أذنبت، وقيل: لا أخاف الا أن يشاء ربي فيما يفعله من ضرر لأنه القادر عليه، وقيل: الاستثناء حقيقة ومعناه لا أخاف الأصنام إلا أن يشاء ربي بأن يجعلهم أحياء متمكنين من ظلمي فحينئذ أخافهم { وكيف أخاف ما أشركتم } يعني الأصنام وهي لا تبصر ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع { ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا } أي حجة وبرهانا، وهو القاهر القادر على كل شيء، قال: { فأي الفريقين أحق بالأمن } يعني فريق الموحدين والمشركين { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم } بمعصية توجب الفسق { أولئك لهم الأمن } من عذاب الله تعالى { وهم مهتدون } ، قيل: إلى الجنة، وقيل: إلى الحق والدين، قوله تعالى: { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } إشارة إلى ما احتج على قومه من قوله:
Page inconnue