[الحج: 30] ومنها: أنه جعلها من عمل الشيطان وهو لا يأتي إلا بالشر، ومنها: أنه جعله الاجتناب من الفلاح، ومنها: أنه ذكر ما نسخ منها من الوبال وهو وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر والقمار، وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله تعالى، وعن مراعاة أوقات الصلاة، وقوله: { فهل أنتم منتهون } من أبلغ ما ينهي عنه، كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم مع هذه منتهون، قال جار الله: فإن قلت: إلى ما يرجع الضمير في قوله: { فاجتنبوه }؟ قلت: إلى المضاف المحذوف، كأنه قيل: إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطيهما أو ما أشبه ذلك ولذلك قال: { رجس من عمل الشيطان } ، قوله تعالى: { واحذروا } يعني كونوا حذرين خاشيين لأنهم إذا كانوا حذرين دعاهم الحذر إلى اتقاء كل سيئة وعمل كل حسنة ويجوز أن يكون المراد واحذروا ما عليكم في الخمر والميسر في ترك طاعة الله والرسول { فإن توليتم فاعلموا } أنكم لم تضروا الرسول بتوليكم لأن الرسول ليس عليه إلا { البلاغ المبين } وإنما ضررتم أنفسكم حين أعرضتم عما كلفتموه، قوله تعالى: { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح } قال جار الله : رفع الجناح عن المؤمنين في أي شيء طعموه من مستلذات المطاعم { إذا ما اتقو } ما حرم عليهم { وآمنوا } وثبتوا على التقوى والايمان والعمل الصالح { ثم اتقوا وآمنوا } ثم ثبتوا على التقوى والايمان { ثم اتقوا وأحسنوا } أي وثبتوا على اتقاء المعاصي، قال تعالى: { وأحسنوا } أعمالهم إلى الناس، وقيل: فيما بينهم وبين الله تعالى أي أخلصوا أعمالهم إلى الله تعالى، وقيل: لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميتة فنزلت الآية، يعني أن المؤمنين لا جناح عليهم في أي شيء طعموا من المباحات إذا ما اتقوا المحارم وآمنوا { ثم اتقوا وأحسنوا } على معنى أن أولئك كانوا على هذه الصفة ثناء عليهم.
[5.94-96]
قوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد } نزلت الآية وما بعدها بالحديبية ابتلاهم الله تعالى بالوحش وهم محرمون فنهوا عن قتلها فبينما هم كذلك إذ عرض لهم حمار وحش فقتله بعضهم فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت الآية، قوله: { ليعلم الله من يخافه بالغيب } ليتميز من يخاف عقاب الله وهو غائب، قوله تعالى: { فمن اعتدى بعد ذلك } الابتلاء { فله عذاب أليم } { يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } يعني وأنتم محرمون قيل: ابتلى الله أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بصيد البر كما امتحن بني إسرائيل بصيد البحر واختلفوا في هذه الآية، فقيل: صيد البر كله عن ابن عباس، وقيل: صيد الحرم المحرم، فهذه الآية فيها الخلاف، قوله تعالى: { ومن قتله منكم متعمدا } وهو ذاكر لإحرامه أي عالم إنما يقتله مما يحرم عليه قتله، قال جار الله: فإن قتله وهو ناسي لإحرامه أو رمى صيدا وهو يظن أنه ليس بصيد، فإذا هو صيد وقصد برميه غير صيد فعدل السهم عن رميته فأصاب صيدا فهو مخطئ، فإن قيل فمحظورات الاحرام يستوي فيها العمد والخطأ فما بال العمد مشروطا في الآية؟ قلت: لأن مورد الآية فمن تعمد، فقد روي أنه عن لهم في عمرة الحديبية حمار وحش فحمل عليه ابو اليسر فقتله برمحه فقيل له: إنك قتلت الصيد وأنت محرم؟ فنزلت لأن الأصل فعل المتعمد والخطأ لاحق به للتغليظ ويدل عليه قوله تعالى: { ليذوق وبال أمره... ومن عاد فينتقم الله منه } وعن الزهري: نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ، وعن سعيد بن جبير: لا أرى في الخطأ شيئا آخذا باشراط العمد في الآية، وعن الحسن روايتان، قوله تعالى: { فجزاء مثل ما قتل من النعم } بمثل ما قتل من الصيد أي يهدي من النعم ما قيمته قيمة الصيد وإن شرى طعاما يعطي كل مسكين نصف صاع { يحكم به ذوا عدل منكم } يعني بمثل ما قتل حاكمان عادلان من المسلمين قالوا: وفيه دليل على أن المثل القيمة، لأن التقويم مما يحتاج إلى النظر والاجتهاد وإن صام عن طعام، أو أطعم عن كل مسكين يوما، هذا هو مذهب أبي حنيفة ومذهب أصحاب الشافعي والناصر المماثلة والمقصود في الآية مما يليه في الحلقة الإلهية أيضا والله أعلم، قوله تعالى: { ليذوق وبال أمره } قيل: هو ما لزمه من الجزاء، وقيل: عقوبة فعله في الآخرة إن لم يتب عفى الله عما سلف لكم في الصيد في حال الإحرام قبل أن يراجعوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسألوه، وقيل: عما سلف لكم في زمن الجاهلية، لأنهم كانوا متعبدين بشرائع من قبلهم وكان الصيد فيها محرما، وقوله { ومن عاد فينتقم الله منه } يعني ومن عاد الى قتل الصيد وهو محرم فينتقم الله منه في الآخرة، وذلك بعد نزول النهي، واختلف في وجوب الكفارة على العائد فعن عطا وإبراهيم وسعيد بن جبير والحسن وجوبها وعليه عامة العلماء، وعن ابن عباس: أنه لا كفارة عليه أحدا تعلقا بالظاهر وإن لم يذكر الكفارة، قوله تعالى: { أحل لكم صيد البحر } مما يؤكل ومما لا يؤكل { وطعامه } مما يؤكل، والمعنى أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر وأحل لكم المأكول منه وهو السمك، ولسيارتكم أي يتزودونه قديدا كما تزود موسى الحوت في مسيره إلى الخضر، قوله تعالى: { وحرم عليكم صيد البر } أي وحرم الله عليكم صيد البر { ما دمتم حرما } محرمين.
[5.97-102]
قوله تعالى: { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس } يعني إصلاحا وقواما في مناسكهم وتجارتهم وأنواع منافعهم، وروي أنه لو تركوه عاما واحدا لم ينظروا ولم يؤخروا { والشهر الحرام } يعني الشهر الذي يؤدون فيه الحج وهو ذو الحجة لاختصاصه من بين الأشهر بإقامة موسم الحج فيه { والهدي والقلائد } والمقلد منه خصوصه وهو البدن لأن الثواب فيه أكثر { ذلك } اشارة إلى جعل الكعبة قياما للناس أو إلى ما ذكره من حفظ الاحرام بترك الصيد { لتعلموا أن الله بكل شيء عليم } أي عالم بما يصلحكم { اعلموا أن الله شديد العقاب } لمن انتهك محارمه { وان الله غفور رحيم } لمن حافظ عليها { ما على الرسول إلا البلاغ } تشديد في وجوب الامتثال لما أمر به (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم }
" روي أن سراقة بن مالك، وقيل: عكاشة، قال: يا رسول الله الحج علينا كل عام؟ فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعاد عليه مسألته ثلاث مرات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " ويحك وما يؤمنك أن أقول: نعم والله لو قلت: نعم لوجبت ولو وجبته ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالكم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه "
قوله تعالى: { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن } يعني وأن تسألوا عن هذه التكاليف الشديدة في زمان الوحي وهو ما دام النبي بين أظهركم يوحى اليه { تبد لكم } تلك التكاليف الشديدة التي تسوءكم وتؤمرون بتحملها فتعرضون أنفسكم لغضب الله { عفى الله عنها } أي عفى الله عنكم عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى مثلها { والله غفور حليم } لا يعاجلكم فيما يفرط منكم، قوله تعالى: { قد سألها قوم من قبلكم } يعني قد سأل هذه المسألة قوم من الأولين { ثم أصبحوا بها كافرين } وذلك أن بني إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم عن أشياء فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا.
[5.103-105]
قوله تعالى: { ما جعل الله من بحيرة } قال جار الله: كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أي شقوها وحرموها، لا تركب ولا يحمل عليها شيء ولا تطرد عن ماء ولا مرعى، واسمها البحيرة، وقوله: { ولا سائبة } قال: وكان الرجل يقول: إذا قمت من سفري أو شفيت من مرضي فناقتي سائبة وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها، وقيل: كان الرجل إذا اعتق عبدا قال: هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث، وإذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم، وإذا ولدت ذكر فهو لآلهتهم، وإن ولدت ذكر وأنثى قالوا وصلت: أخاها، ولم يذبحوا الذكر لآلهتهم، وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع عن ماء ولا مرعى، وهو الحام عندهم، ومعنى: { ما جعل الله } ما شرع ذلك ولا أمر بالتبحير والتسييب وغير ذلك، قوله تعالى: { ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون } فلا ينسبون التحريم الى الله تعالى ولكنهم يقلدون في تحريمها كبارهم، قال جار الله والواو في قوله: { أو لو كان آباؤهم } واو الحال فدخلت عليها همزة الانكار والمعنى ان الاقتداء إنما يصلح بالعالم للمهتدي، قوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } يعني التزموا صلاح أنفسكم بما ينجيها من عذاب الله تأمنوا من العذاب، وتستحقوا جزيل الثواب، وقوله: { عليكم أنفسكم } يقول: أصلحوها بطاعة الله تعالى { لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } يريد الله سبحانه أنه لا يضركم ضلال المضلين، ولا تحاسبون بفعل المبطلين، وروي أن اليهود قالوا للمسلمين: كيف تطمعون في النجاة وآباؤكم مشركون ولستم بناجين من فعلهم؟ فنزلت هذه الآية، وقال أيضا:
ولا تزر وازرة وزر أخرى
Page inconnue