" قال أمير المؤمنين: " لما نزلت دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما تقول في دينار؟ فقلت: لا يطيقونه، قال: كم؟ قلت: حبة أو شعيرة، قال: إنك لزاهد، فلما رأوا ذلك ارتدعوا وكفوا إما الفقراء فلعسره وإما الأغنياء فلشحهم "
وقيل: كان ذلك عشر ليال ثم نسخ، وعن علي: " إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، كنت إذا ناجيت تصدقت بدرهم " وعن ابن عمر: كانت لعلي (رضوان الله عليه) ثلاث لو كانت لي منهن واحدة كانت أحب إلي من حمر النعم: تزويجه فاطمة وإعطاءه الراية يوم خيبر وآية النجوى، قيل: هي منسوخة بالزكاة، وقيل بالآية التي بعدها { أأشفقتم } أخفتم تقديم الصدقات لما فيه من الانفاق الذي يكرهونه وإن { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } { فإذ لم تفعلوا } ما أمرتم به وشق عليكم { وتاب الله عليكم } وعذركم ورخص لكم في أن لا تفعلوا فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات { ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم } الآية نزلت في المنافقين تولوا اليهود ونقلوا اليهم أسرار المؤمنين، وقيل: نزلت في عبد الله بن أبي المنافق وكان يحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويرفع حديثه إلى اليهود، فإذا قيل له حلف وحلف أصحابه فتولوا اليهود { غضب الله عليهم ما هم منكم } أيها المؤمنون { ولا منهم } يعني اليهود { ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } قيل: يحلفون للنبي والمؤمنين أنهم منهم وهم يعلمون كذبهم { أعد الله لهم عذابا شديدا } قيل: عذاب النار، وقيل: عذاب القبر { إنهم ساء ما كانوا يعملون } أي بئس العمل عملهم وهو النفاق { اتخذوا أيمانهم } الكاذبة { جنة } أي وقاية { فصدوا عن سبيل الله } أعرضوا عن الدين { فلهم عذاب مهين } { لن تغني عنهم } يوم القيامة { أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } { يوم يبعثهم الله جميعا } من القبور أحياء { فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون } قيل: أنهم يحلفون أنهم لم يكونوا كفارا من عند أنفسهم لأن دار الآخرة لا يمكنون فيها من الكذب، وقيل: يحلفون في الآخرة أنهم كانوا في الدنيا من المؤمنين وظنوا أن ذلك يجوز إلا أنهم هم الكاذبون في أقوالهم وإيمانهم، وعن ابن عباس: أن الآية نزلت في القدرية ثم قال: والله هم القدريون، والله هم القدريون، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ينادي منادي يوم القيامة أين خصماء الله؟ فيقوم القدرية مسودة وجوههم "
وقد تقدم في سورة القمر أن القدرية هم المجبرة الذين يجعلون كل القبائح بقدره، وقد بين أمير المؤمنين علي (عليه السلام) تبيانا شافيا وفي هذا الخبر ما يدل على ذلك لأن خصماء الرحمان من يضيف جميع المعاصي والظلم إلى الله، وهم الذين يشهدون لابليس بالبراءة، وقد بينا في قوله:
ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة
[الزمر: 60] انها في المجبرة { استحوذ عليهم الشيطان } أي غلب عليهم الشيطان فاستولى حتى تبعوه وتركوا أمر الله { فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان } قرناؤه وأتباعه { ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون } خسروا أنفسهم حيث أوثقوا لها { إن الذين يحادون الله ورسوله } أي يخالفونه وكانوا من حزب الشيطان وهم المنافقون { أولئك في الأذلين } في الجملة المتناهين في الذل والخزي فهم أذل خلق الله.
[58.21-22]
{ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز } نزلت في قصة جرت بين عبد الله بن أبي وبين المؤمنين وذلك أن المؤمنين قالوا: إن فتح لنا الله مكة وخيبر وما حولها رجونا أن ينصرنا الله على فارس والروم، فقال عبد الله: أتظنون أن فارس والروم كبعض القرى التي غلبتم عليها لهم أكثر عددا وأشد بطشا، ومعنى كتب قيل: قضى ووعد، وقيل: كتب في اللوح المحفوظ { لأغلبن أنا ورسلي ان الله قوي عزيز } أي قادر على النصر لأوليائه عزيز ذو انتقام من أعدائه ولا يمتنع عليه شيء { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } أي يولون من حاد الله، أي خالفه وخالف رسوله، واختلفوا فيمن نزلت فقيل: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة ينذرهم بمجيء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل:
" نزلت في ولد عبد الله بن أبي حين قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ابق فضلة من شرابك اسقيها أبي لعل الله يطهر قلبه فأتى بها أباه، فقال: ما هذا؟ قال: بقية شرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تشربها لعل الله يطهر بها قلبك، فقال: هل جئتني ببول أمك؟ فرجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: ائذن لي في قتله، قال: " بل ترفق به "
، وقيل: نزلت في أبي بكر وأبيه أبو قحافة لأن أبا قحافة سب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصكه أبو بكر صكة سقط منها، ذكر ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " لو كان معي سيف لقتلته " ، وقيل: نزلت في جماعة من الصحابة { ولو كانوا آباءهم } يعني أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه يوم أحد { أو أبناءهم } يعني أبا بكر دعا ابنه إلى البراز يوم بدر { أو إخوانهم } يعني مصعب بن عمير قتل أخاه يوم أحد { أو عشيرتهم } يعني أمير المؤمنين علي وحمزة وعبيدة بن الجراح قتلوا عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر { أولئك كتب في قلوبهم الإيمان } أثبته فيها بما وفقهم فيه وشرح له صدورهم { وأيدهم بروح منه } بلطف من عنده حبب به قلوبهم ويجوز أن يكون المصير للإيمان أي بروح من الإيمان على أنه في نفسه روح الحياة القلب به { ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله } أي جنده { ألا إن حزب الله هم المفلحون }.
Page inconnue