[33.41-49]
{ يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا } قيل: باللسان ذكر أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وقيل: بالقلب، وعن ابن عباس: لم يفرض الله على عباده فريضة لا جعل عليها حدا، وأمرهم بذكره في الأحوال كلها، قيل: هو الاعتقاد والتوحيد والعدل فإنه واجب في جميع الأحوال، وقيل: ذكر الله باللسان بالتحميد والتهليل والتكبير وما هو أهله، وأكثروا ذلك { بكرة وأصيلا } أي في كافة الأوقات، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ذكر الله على فم كل مسلم "
وعن قتادة: قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم { وسبحوه بكرة وأصيلا } يعني الصبح والعصر، وقيل: أراد الصلاة بكرة وعشيا { هو الذي يصلي عليكم } الصلاة منه بمعنى الرحمة، ومن الملائكة بمعنى الاستغفار، ومن النبي الشفاعة، والمعنى هو الذي يترحم عليكم بإكثار الذكر { ليخرجكم } من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة { وكان بالمؤمنين رحيما } والمراد بالرحمة هو الثواب في الجنة { تحيتهم يوم يلقونه سلام } يعني تحية المؤمنين يوم يلقون جزاءه، قيل: هو سلام ملك الموت، وقيل: سلام الملائكة عند الخروج من القبور، وقيل: عند دخول الجنة { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا } على الخلق بالقبول والرد { ومبشرا } بالقابلين عليه بالثواب { ونذيرا } { وداعيا إلى الله بإذنه } أي إلى توحيده وبإذنه يعني بأمره { وسراجا منيرا } يعني يهتدى به في الدين كما يهتدى بالسراج، وقيل: أراد بالسراج الشمس { وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا } أي نعما كثيرة، وعن جابر لما نزلت:
إنا فتحنا لك
[الفتح: 1] الآيات قالت الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله هذا الفارق فما لنا؟ فأنزل الله: { وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ولا تطع الكافرين } من أهل مكة فيما دعوه من المراهنة { والمنافقين } من أهل المدينة { ودع أذاهم } أي أعرض عن أذاهم فإني أكفيك أمرهم إذا توكلت علي { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا } ، ثم بين سبحانه أحكام الناس فقال سبحانه: { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات } أي تزوجتموهن { ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } قيل: تجامعوهن، وقيل: حصل بينكم مسيس هو عبارة عن الخلوة الصحيحة { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } أي تحصونها بالاقراء والأشهر { فمتعوهن } أي أعطوهن ما يستمتعن به، قيل: إن كان سمى مهرها فلها نصفه وإن لم فالمتعة { وسرحوهن سراحا جميلا } من غير ضرار، وقيل: هو أمر ندب المتعة مستحبة ونصف المهر واجب، وسرحوهن يعني خلوا سبيلهن، سراحا جميلا بالمعروف وهو أن يعطيها ما وجب لها.
[33.50-52]
{ يا أيها النبي انا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } قيل: لما بذلت الموهوبة نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت عائشة: ما بال النساء يبذلن أنفسهن بلا مهر؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية { أجورهن } مهورهن لأن المهر أجرا على البضع، وايتاؤها إما اعطاؤها عاجلا وإما فرضها وتسميتها في العقد { وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك } أي أحللنا ما ملكت يمينك وهو على وجهين: السري وأن يعتقن ويتزوجهن كصفية بنت حيي وجويرية بنت الحارث أعتقهما { وبنات عمك وبنات عماتك } وهم أولاد عبد المطلب { وبنات خالك وبنات خالاتك } أولادهم من بني زهرة، وليس الإباحة مقصورة عليهم بل هو عام في جميع المؤمنين { اللاتي هاجرن معك } فشرط الاباحة الهجرة { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } قيل: لما وهبت نفسها للنبي قالت عائشة: ما بال النساء يبذلن أنفسهن بلا مهر فنزلت: { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك } الآية، فقالت عائشة: يا رسول الله إني أرى ربك يسارع إلى هواك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" وإنك وإن أطعت الله يسارع في هواك "
فاختلفوا في هذه الإمرأة الواهبة نفسها من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هل كانت عنده أم لا؟ فقيل: لم تكن عنده امرأة بالهبة عن ابن عباس، وقيل: الموهوبات أربع: ميمونة بنت الحارث، زينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية، وأم شريك، وخولة، وقيل: زينب بنت جحش { إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } أي لا يجوز لهم ذلك والله أعلم { قد علمنا ما فرضنا عليهم } على المؤمنين { في أزواجهم } ، قيل: أراد العدد فإذا تزوج أربع لا يجاوزها، وقيل: المهر، وقيل: المهر والعدد { وما ملكت أيمانهم } يعني الاماء { لكيلا يكون عليك حرج } ضيق واثم، يعني بينا لك قيل: هو ما أباح من نكاح أربع وما شاء من البراري، وقيل: ما متصل بخالصة لك من دون المؤمنين { وكان الله غفورا رحيما } لذنوب التائبين رحيما بهم { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } الآية، قيل: طلبت بعض أمهات المؤمنين زيادة في النفقة وغضب رسول الله فهجرهن شهرا ونزل التخيير فأشفقن أن يطلقن فقلن: يا رسول الله افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت ودعنا على حالنا فنزلت، وقيل: أن عائشة عيرت الموهوبة نفسها فنزلت هذه الآية: { ترجي من تشاء } وقرئ بالهمز وبغير همز { وتؤوي } تضم بمعنى تترك مضاجعة من تشاء، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء، أو لا تقسم لأيتهن شئت وتقسم لمن شئت، وروي أنه أرجى منهن سودة وجويرية وصفية وميمونة، وروي أم حبيبة، وكان يقسم لهن ما شاء كما شاء، وروي أنه كان يسوي بينهن مع ما أطلق له وخير فيه إلا سودة فانها وهبت ليلتها لعائشة وقالت: لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك { ومن ابتغيت ممن عزلت } يعني طلبت اصابتها فيمن كنت عزلت عنها من نسائك { فلا جناح عليك } وأباح له ترك القسم فيهن حتى يؤخر من يشاء عن وقت نوبتها، وأن يعزل من يشاء وله أن يرد المعزولة، فضله الله تعالى بذلك على جميع الخلق { ذلك أدنى أن تقر أعينهن } أي أطيب لنفوسهن وأقل لحزنهن { ويرضين بما آتيتهن كلهن } من التسوية والتفضيل، وذلك أنهن علمن أن هذا من عند الله وبأمره فطابت أنفسهن وقرت أعينهن { والله يعلم ما في قلوبكم } فيه وعيد لمن لم ترض منهن لما دبر الله من ذلك { لا يحل لك النساء من بعد } أي من بعد التسع اللاتي كن عنده واخترنه { ولا أن تبدل بهن من أزواج } يعني التسع اللاتي اخترتهن { ولو أعجبك حسنهن } من غير التسع، وقيل: من غير ما أحل لك { إلا ما ملكت يمينك } يعني إلا ما استثنى مما حرم عليه { وكان الله على كل شيء رقيبا } أي حفيظا.
Page inconnue